مكانة عند الله، كما
قال - تعالى -: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ﴾ يعني: يعبدونهم، ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ﴾ اعترفوا أنهم يعبدونهم ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ
زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ
إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ﴾ [الزمر: 3] سَمَّى فعلهم هذا كذبًا، وسَمَّاه كفرًا، ولم
تنفعهم اعتذاراتهم؛ وذلك لأنهم قاسوا الخالق سبحانه وتعالى على ملوك الدنيا، فكما
أنهم من عادتهم عند ملوك الدُّنيا أنهم يوسطون الشفعاء بينهم وبين الملوك في قضاء
حوائجهم، قاسوا الله جل وعلا بخلقه، اتخذوا عند الله الشفعاء كما يتخذونهم عند
الملوك والرؤساء، وهذا باطل؛ لأنَّه تسوية بين الخالق والمخلوق، فإن ملوك الدنيا
أو سلاطين الدُّنيا أو رؤساء النَّاس في الدُّنيا يقبلون الشفاعة لحاجتهم إلى ذلك؛
وذلك لأن الملك أو الرئيس بحاجة إلى الوزراء والمستشارين ليعينوه على أمور الملك،
فلو لم يقبل شفاعتهم لنفروا منه، ولم يعينوه، والله جل وعلا غني عن خلقه، ليس
بحاجة إلى أن يعينه أحد، بخلاف الملوك والسلاطين فهم بحاجة.
وأيضًا ملوك
الدُّنيا والسلاطين لا يعلمون أحوال الرَّعيَّة، فهم بحاجة إلى هؤلاء ليبلغوا
حاجات النَّاس وأحوال الناس، فإذا بلغهم هؤلاء الوسائط والشفعاء، فقد بلَّغوهم ما
لم يعرفوا من أحوال رعيتهم، أمَّا الله جل وعلا فإنه يعلم كل شيء، لا تخفى عليه
أحوال عباده، يعلم المحتاجين والمرضى والفقراء وأصحاب الحاجات، يعلم ذلك بدون أن
يخبره أحد سبحانه وتعالى، فلا يقاس الخالق بالمخلوق.