وقول الله عز وجل:
﴿ٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ﴾ [النساء: 171].
****
قال: «وقول الله عز
وجل: ﴿
ٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ﴾» المراد بأهل
الكتاب: اليهود والنصارى، سُمُّوا بأهل الكتاب: لأن الله - سبحانه - أنزل على
أنبيائهم الكتب. اليهود أنزل الله على نبيهم موسى عليه السلام التوراة. والنصارى
أنزل الله على نبيهم عيسى عليه الصلاة والسلام الإنجيل؛ فلذلك سُمُّوا أهل الكتاب
فَرْقًا بينهم وبين الأُمِّيِّين والوثنيِّين الذين لا كتاب لهم.
وهذا فيه تنبيه على
أن المطلوب منهم أن يتقيَّدوا بالكتاب الذي أنزل عليهم، وعدم مجاوزته، وهو تنبيه
لكل عالم بأن يلتزم الاعتدال.
﴿لَا تَغۡلُواْ﴾ هذا نهي من الله - تعالى - لهم عن الغلو؛ لأن الغلو أن
يكون في شخص، أو يكون في دين.
والغلو في الشخص هو:
المبالغة في مدحه، ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله فيها.
وأما الغلو في الدين فهو: الزيادة عن الحد المشروع في العبادات، في مقاديرها، أو في كيفيَّتها، كما في قصة الثلاثة الذي جاءوا يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا بها كأنهم تقالُّوها، ولكنهم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، قال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء [يعني: يتبتَّل]، وفي رواية: لا آكُل اللحم [من باب التَّقشُّف وحِرمان النفس]. هذا غلو أيضًا، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «أَنْتُمُ الَّذِين قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَعْرَفَكُمْ بِاللهِ عز وجل وَأَخْشَاكُمْ لِلهِ،