عند ذلك؛ تعيَّن
عليَّ أَنْ أُعَقِّبَ على هذا البحثِ بمَا يُبيِّن الحقيقة، ويُزِيلُ اللَّبْس -
إِنْ شَاءَ الله -، وذلك بذِكْر آراء العلماء في هذا الكتابِ ومُؤَلِّفه، وذِكْر
نماذجَ ممَّا اشْتَمل عليه من الباطل، ومُنَاقشةِ الدَّكْتور الحلو في بحثه حول
هذا الكتابِ.
فأَقُول مستعينًا
بالله:
أَقْوال العلماء
المحقِّقين في الكتاب ومُؤَلِّفِه:
قال شَيْخُ
الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في «(مِنْهاج السُّنَّة»): «وأَهْل العلْم يعلمون
أَنَّ أَكْثر خُطَب هذا الكتابِ مُفْتراةٌ على عَلِيٍّ؛ ولهذا لا يُوجَد غالبُها
في كتابٍ قديمٍ، ولا لها إِسْنادٌ معروفٌ، فهي بمنزلة من يدَّعي أَنَّه عَلَوِيٌّ
أَوْ عَبَّاسِيٌّ ولا نعلم أَحَدًا مِن سَلَفِه ادَّعى ذلك قطُّ، فيعلم كذِبُه؛
فإِنَّ النَّسَب يكون معروفًا من أَصْله حتَّى يتَّصل بفَرْعه.
وفي هذه الخُطَبِ
أَشْياءٌ قد عُلِم يقينًا من عَلِيٍّ ما يُناقِضُها، ولم يُوجِب اللهُ على الخلْق
أَنْ يُصدِّقوا بما لمْ يَقُمْ دليلٌ على صدْقه، وإِنَّ ذلك من تكليف ما لا يُطاق».
وقال أيضًا: «ولكنَّ صاحب «نَهْج
البلاغة» وأَمْثالَه أَخَذوا كثيرًا من كلام النَّاس، فجعلوه من كلام عَلِيٍّ ومنه
ما يُحْكى عن عَلِيٍّ أَنَّه تكلَّم به، ومنه ما هو كلام حقٍّ يليق به أَنْ
يتكلَّم به، ولكنْ هو في نفس الأَمْر مِن كلام غيره، وفي كتاب «البيان والتبيين»
قال محب الدين الخطيب: حتى كتب الأدب التي لا سند لأخبارها؛ كالبيان والتبيين نجد
فيها الخطبة العلوية أسطرا معدودة، فإذا قارنا الخطبة الواحدة الوجيزة وجدنا أن
للجَاحِظ كلامٌ كثيرٌ منقولٌ عن غير عَلِيٍّ، وصاحب «نَهْج البلاغة» يَأْخُذه
ويُلْصِقه بعَلِيٍّ.