مهلاً... يا دعاة
التجديد
صِرْنَا نَسْمَعُ في
الآَوِنَةِ الأَخِيرَةِ دَعَوَاتٍ للتَّجْدِيدِ مِنْ هنا وهناك، ومِنْ أُنَاسٍ
ليسوا أَهْلَ اختصاص بمعرفة دَوَاعِي التَّجديد ومقوِّماته ومجالاته - أعني
التَّجديد للدِّين لا التَّجديد في الدِّين - فإنَّ التَّجْدِيدَ للدِّين
مَطْلُوبٌ مِنْ أَهْلِ الاختصاص؛ بِأَنْ يُعِيدُوا للدِّين جدَّته، وإشراقه؛
فيُمِيطوا عنه الحُجُبَ الَّتي اصطنعها الجهَّالُ والمغرضون، أو الضُّلالُ
المُلْحِدُونَ، وقد بشَّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ الله يَبْعَثُ لهذه
الأمَّة على رأس كلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لها دِينَهَا.
أمَّا التَّجْدِيدُ
في الدِّين فمعناه الابتداع وَإِحْدَاثٌ في الدِّين ما ليس منه، وهذا تَجْدِيدٌ
مَرْفُوضٌ وَمَرْدُودٌ على صَاحِبِهِ بِنَصِّ الحَدِيثِ، والأوَّلُ تَجْدِيدٌ
مَطْلُوبٌ، ولا يقوم به إلاَّ العلماء العاملون والمجاهدون والصَّابرون؛ فَمِنْ
أَيِّ النَّوْعَيْنِ يا تُرى ما ينادي به دعاة التَّجديد اليوم ممَّن هم ليسوا من
ذوي الاختصاص الشَّرعيِّ؟
إنَّما كانت
تخصُّصَاتُهُم في علوم الكيمياء والفيزياء أو علوم الطِّبِّ والهندسة، أمَّا
التَّجْدِيدُ الَّذي ينادون به هو التَّجْدِيدُ في الدِّين بإحداث فِقْهٍ جَدِيدٍ
مُعَاصِرٍ، كما يسمُّونه؛ لأنَّ الفِقْهَ القَدِيمَ بِزَعْمِهِم لا يناسب هذا
العَصْرَ بِشَكْلِهِ وَمَضْمُونِهِ، وَيَدْعُونَ إلى الاعتياض عنه بما يسمُّونه
فِقْهَ الواقع.
وسمعنا بَعْضَهُمْ
يقول في محاضرة له وينادي فيها إلى التَّجديد في الفقه والفكر، يقول: «إنَّ
الدِّينَ شَرِيعَةٌ وَفِقْهٌ؛ فالشَّرِيعَةُ هي الكتاب والسُّنَّة، وهما لا
يَقْبَلانِ التَّجْدِيدَ، وأمَّا الفِقْهُ فَهُوَ يَقْبَلُ التَّجْدِيدَ»، ويا
سُبْحَانَ الله! مِنْ أَيْنَ جَاءَ الفِقْهُ؟ أليس هو مستنبطًا من الكتاب
والسُّنَّة!
الصفحة 1 / 427