بل هو تَفْسِيرٌ
للكتاب والسُّنَّة، وهل هو مخالف للكتاب والسُّنَّة؟ نعم، قد يكون في بَعْضِهِ
مُخَالَفَةٌ لهما، وهذا النَّوْعُ يجب أن يُسْتَبْعَدَ، لَكِنْ هو في جُمْلَتِهِ
مُوَافِقٌ للكتاب والسُّنَّة، قد قام باستنباطه ذَوُو الرِّواية والدِّراية من
علماء الأمَّة، ومن هو الَّذي سيخلفهم ويأتي بفقه جديد؟ أهو خرِّيج كلِّيَّة
الهندسة أو الصَّيدلة أو خرِّيجُ كلِّيَّة التَّربية أو عالِم الفيزياء أو
الكيمياء؟ كلا.
ولو أنَّ وَاحِدًا
مِنْ علماء الشَّريعة تَكَلَّمَ في الطِّبِّ أو الفيزياء أو غَيْرِهِمَا مِمَّا
لَيْسَ من تخصُّصه، لأَقَمْتُمُ الدُّنيا وأقعدتموها بالإنكار عليه، ولكم الحقُّ
في ذلك، فكيف سَمَحْتُمْ لأنفسكم في أن تتدخَّلوا فيما هو ليس من اختصاصكم؟
إذا كان الَّذي
حَمَلَ هؤلاء على المناداة بالتَّجديد هو ما يرونه من تأخُّر المسلمين - وهذا
أَمْرٌ واقع - فظنُّوا أنَّ سَبَبَهُ هو البقاءُ على الفِقْهِ القديم وهذا منهم وَايْمِ
الله جَهْلٌ بتشخيص الدَّاءِ، وَمَعْرِفَةِ الدَّواء؛ لأنَّ سَبَبَ تَأَخُّرِ
المسلمين هو عَدَمُ أخذهم بهذا الفِقْهِ، وَتَطْبِيقِهِم له، واسْتِبْدَالُ
الكَثِيرِ منهم به أَنْظِمَةَ البَشَرِ، وَقَوَانِينَ البَشَرِ؛ فالسَّبَبُ هو
تَرْكُهُم له، لا أَخْذُهُم به، لكن كما قيل:
نَعِيبُ زَمَانَنَا
وَالعَيْبُ فِينَا *** وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
نَحْنُ لا نُنْكِرُ
وُجُودَ قَضَايَا مستجدَّة تحتاج إلى دراسة ومعالجة، لكن ليس عِلاجُهَا بِأَنْ
نُحْدِثَ فقهًا جديدًا، وَنَرْفُضَ الفِقْهَ القديم، وإنَّما عِلاجُهَا بأن
نَعْرِضَهَا على الفقه القديم بقواعده ومُرُونَتِهِ وشُمُولِهِ، وهو قَادِرٌ بإذن
الله على إعطاء الحَلِّ النَّاجِحِ لهذه القضايا المُشْكِلَةِ، إذا تولَّى ذَلِكَ
أَهْلُ الاختصاص من علماء الشَّريعة.