×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

ولا أَقُولُ ذلك تنقُّصًا لغيرهم، لكن رَحْمَةً بهم، وبالأُمَّةِ، أن يُدْخِلُوا أنفسهم فيما ليس من اختصاصهم. نَعَمْ، من حقِّهم أن يقولوا: إنَّ وَاقِعَ بَعْضِ المسلمين يحتاج إلى علاج، وأن يَطْلُبُوا من العلماء النَّظَرَ فيما يَجِدُّ من مشكلات، لكن ليس من حقِّهم أن يُطَالِبُوا بإحداث فِقْهٍ جَدِيدٍ، وَتَرْكِ الفقه القديم؛ لأنَّ هذا معناه فَصْلُ حَاضِرِ الأمَّة عن ماضيها، والتَّنَكُّرُ لموروثاتها، وَرَصِيدِهَا العلميِّ العَظِيمِ، وَفَتْحُ مَجَالٍ للمتطفِّلين على العلم والمعرفة أن يغيِّروا وَيُبَدِّلُوا.

وأنا ما أَرَدْتُ بهذه الكلمة إلاَّ النُّصْحَ؛ ﴿إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ [هود: 88].

وأنا أعلم أنَّ غَالِبَ مَنْ تَبَنَّى هذه الفكرة - فِكْرَةَ التَّجديد - يريدون الخير للمسلمين، وَانْتِشَالَهُمْ مِنْ وَاقِعِهِمُ المَرِيرِ، ولكن ليس العِلاجُ ما ذَكَرُوا، بل العِلاجُ إِسْنَادُ الأُمُورِ إلى أَهْلِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ [النساء: 83].

قال العلاَّمَةُ الشَّيْخُ ابْنُ سَعْدِيٍّ في «تفسيره»: «وفي هذا دَلِيلٌ لِقَاعِدَةٍ أَدَبِيَّةٍ، وهي أنَّه إذا حَصَلَ بَحْثٌ في أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، يَنْبَغِي أن يُولَّى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لذلك، وَيُجْعَلَ إلى أَهْلِهِ، ولا يَتَقدَّمَ بَيْنَ أيديهم؛ فإنَّه أَقْرَبُ إلى الصَّوابِ، وَأَحْرَى للسَّلامَةِ من الخَطَأِ». انتهى.

وأقول: إنَّ فَتْحَ المَجَالِ لِغَيْرِ ذوي الاختصاص مصدرٌ لأَنْ يَتَلاعَبَ بِدِينِ الله أَنْصَافُ المتعلِّمين، والمُتَعَالِمُونَ الَّذِينَ مَلأوا الدُّنيا بالاجتهادات الخاطئة؛ ممَّا يسمُّونه الفِقْهَ الجديد، وهذا مِصْدَاقُ ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من أنَّه إذا فُقِدَ العُلَمَاءُ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءوسًا جُهَّالاً، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فضلُّوا، وَأَضَلُّوا، وَمِنْ أَنَّهُ فِي آَخِرِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ القرَّاءُ،


الشرح