وهذه الخُطَبُ
المنقولةُ في كتاب «نَهْج البلاغة» لو كانت كلُّها عن عَلِيٍّ من كلامه؛ لكانت
موجودةً قبلَ هذا المُصنِّف، منقولةً عن عَلِيٍّ بالأَسَانيد وبغيرِها، فإِذَا عرف
من له خِبْرةٌ بالمنقولات أَنَّ كثيرًا منها - بل أَكْثرَها - لا يُعرَف قبل هذا؛
عَلِم أَنَّه كَذِبٌ، وإِلاَّ فليُبيِّن النَّاقل لها في أَيِّ كتابٍ ذُكِر ذلك،
ومَن الذي نَقَله عن عَلِيٍّ، وما إِسْنادُه؟ وَإِلاَّ فالدَّعوى المجرَّدةُ لا يعجز
عنها أَحَدٌ، ومَن كانت له خِبْرةٌ بمعرفة طريق أَهْل الحديث ومعرفةِ الآثار
والمنقولِ بالأَسَانيد وتَبيُّن صدْقِها من كذبها، عَلِمَ أَنَّ هؤلاء الذين
ينقلون مثل هذا عن عَلِيٍّ مِن أَبْعد النَّاس عن المنقولات والتَّمْيِّيز بيْن
صدقها وكذبها». انتهى من «مِنْهاج السُّنَّة» (4/ 195).
وقال ابن خَلِّكان
في «وفيات الأعيان» في ترجمة المرتضى: «وقد اختلف النَّاس في كتاب «نَهْج البلاغة»
المجموعِ من كلام عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: هل هو جمعه «أَيْ:
المُرْتَضى» أَمْ جمع أَخِيه الرَّضيِّ؟ وقد قيل: إِنَّه ليس من كلام عَلِيٍّ رضي
الله عنه، وإِنَّما الذي جَمَعه ونَسَبه إِلَيه هو الذي وَضَعه، والله أعلم».
ولمَّا تَرْجَم
الذَّهبيُّ في «الميزان» للمُرْتَضى؛ قال: «وهو المُتَّهَم بوضْع كتاب «نَهْج
البلاغة»، وله مشاركةٌ قويَّةٌ في العلوم، ومَن طالع كتابه «نَهْج البلاغة»؛
جَزَمَ بأَنَّه مكذوبٌ على أَمِير المؤمنين عَلِيٍّ رضي الله عنه. ففيه السَّبُّ
الصراحُ والحطُّ على السَّيِّدَين أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رضي الله عنهما، وفيه من
التَّناقض والأَشْياءِ الرَّكِيكةِ والعباراتِ التي مَن له معرفة بنفس
القُرَشِيِّين الصَّحابةِ وبنفس غيرِهم ممَّن بعْدهم مِن المتأَخِّرىن؛ جَزَمَ
بأَنَّ الكتاب أَكْثرَه باطلٌ».