التَّعْقيبُ الثَّامنُ: قولُه: «إِنَّ السَّلَفيَّة لا تعني إلاَّ مرْحَلةً زَمَنيَّةً،
قُصارى ما في الأَمْر أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وَصَفَها بالخيريَّة؛
كما وَصَفَ كلَّ عَصْرٍ آتٍ من بَعْدُ بأَنَّه خيرٌ من الذي يليه، فإِنْ قصدْتَ
بِها جماعةً إِسْلاميَّةً ذاتَ مَنْهجٍ مُعيَّنٍ خاصٍّ بِها؛ فتلك إِذَنْ أَحَدُ
البِدَع» ا هـ.
ونقول: هذا
التَّفْسيرُ منه للسَّلَفيَّة بأَنَّها مرحلةٌ زمنيَّةٌ وليستْ جماعةً تفسيرٌ
غريبٌ وباطلٌ، فهل يُقال للمرحلةِ الزَّمنيَّةِ بأَنَّها سَلَفيَّةٌ؟ ! هذا لمْ
يَقُلْ به أَحَدٌ مِن البَشَر، وإِنَّما تُطْلَق السَّلَفيَّةُ على الجماعةِ
المُؤْمِنةِ الذين عاشوا في العَصْرِ الأَوَّلِ من عصور الإِسْلام، والْتَزَموا
بكتاب الله وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأَنْصارِ والذين
اتَّبَعوهم بإِحْسانٍ، ووَصَفَهم الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بقوله: «خَيْرُكُمْ
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ...» ([1]) الحديث. فهذا وصفٌ
لجماعةٍ وليس لمَرْحلةٍ زمنيَّةٍ.
ولمَّا ذَكَر صلى الله عليه وسلم افْتِراقَ الأُمَّة فيما بَعْدُ؛ قال عن الفِرَق كلِّها: «إِنَّها في النَّار إلاَّ وِاحِدةً». ووَصَف هذه الواحدةَ بأَنَّها هي التي تَتْبَع مَنْهج السَّلَف، وتَسِيرُ عليه، فقال: «هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ وَأَصْحَابِي» ([2]). فدلَّ على أَنَّ هناك جماعةً سَلَفيَّةً سابقةً وجماعةً مُتأَخِّرةً تَتْبَعُها في نَهْجها، وهناك جماعاتٍ مُخالِفةً لها، مُتَوعَّدةً بالنَّار، وما ذاك إلاَّ لضُلاَّل هذه الفِرَقِ المُخالِفةِ للفِرَقةِ النَّاجيةِ، لا كما يقول فيما سبق في (ص: 20 و21): «ومن حقِّ صاحب أَحَدِ الرَّأْيَيْن أَوِ الآراءِ في تلك المسائِلِ الاجْتِهاديَّةِ أَنْ يَطْمَئِنَّ إِلَى أَنَّ ما ذَهَبَ إِلَيه هو الصَّواب،
([1])أخرجه البخاري رقم (2652)، ومسلم رقم (2533).