إِلاَّ أَنَّنا نجد بدلاً
مِن ذلك مِن بعض حَمَلَة الأَقْلام والمُتطفِّلين على العلم والتَّأْليف مَن يكيل
التُّهَم في حقِّهم، ويرميهم بما هم بريْئُون منه، ويُحاول صرف النَّاس عن دعوتهم؛
بدافع الحِقْد، أَوْ سوءِ الاعتقاد، أَوِ الاعتمادِ على ما يقوله أَعْداؤُهم
وخصومُهم.
ومِن ذلك أَنِّي قد
اطَّلَعْتُ على كتاب بعُنْوان: «تاريخ المذاهب الإِسْلاميَّةِ في السِّياسة
الفِقْهيَّةِ»، و«تاريخ المذاهب الفِقْهيَّةِ» للشَّيْخ مُحَمَّد أَبِي زَهْرَةَ،
تعرَّض فيه لإِمَاميْنِ عظيمَيْن وداعِيَيْن إِلَى الله مُخْلِصَيْن هما: شيخُ
الإْسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وشيخُ الإِسْلام مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ
ووجَّه ضِدَّهما في نفس التُّهَم التي يُروِّجها ويُردِّدها أَعْداؤُهُمَا
المُضِلُّون في كلِّ زمانٍ، حيث تروعهما دعوةُ الإِصْلاح وإِخْراجِ النَّاس مِن
الظُّلُمات إِلَى النُّور، ويُريدون أَنْ يبقى النَّاس في ظلامٍ، ويعيشوا في
ضلالٍ، حتَّى يتسنَّى لخُرافاتهم أَنْ تَرُوجَ.
وما كان يليق بباحثٍ
يتحرَّى الحقيقة مثْلِ الشَّيخ أَبِي زَهْرَةَ أَنْ يعتمَّد في حقِّ هذَيْن
الإِمَامَيْنِ الجلِيلَيْنِ على كلام خصومهما، بل كان الواجب عليه وعلى كلِّ باحثٍ
مُنصِفٍ، أَنْ يرجع إِلَى كلام مَن يُريد أَنْ يُقدِّم للنَّاس معلوماتٍ عنه مِن
كتُبِه، ويُوثِّقَ ذلك بذكر اسْم الكتابِ المنقولِ عنه؛ مع ذِكْر الصَّفْحة
والسَّطْرِ، حتَّى تحصل القناعة التَّامَّةُ مِن صِحَّةِ ما يقول؛ لأَنَّنا والحمد
لله في عصرٍ قد وُضِعَتْ فيه ضوابطُ البحْثِ العِلْميِّ، وأَصْبَحَ لا يُقْبَلُ
فيه إِطْلاقُ القول على عواهنه؛ من غير تقيُّدٍ بتلك الضوابط، وفوق هذه الضوابط
هناك وقوفٌ بين يدَيِ الله سبحانه وتعالى وسُؤَالٌ عمَّا يقوله الإِنْسانُ ويكتبه
في حقِّ غيره من اتِّهامٍ وكَذِبٍ.