والجواب عنه أَنْ نقول: كلامُه هذا يدلُّ على جهْله بمعنى الوَثَنيَّة، فلَمْ يدْرِ أَنَّها
تتمثَّل في تعظيم القبور بالبِناءِ عليها والطَّوافِ حوْلَها وطلبِ الحوائِج من
أَصْحابِها والاستغاثةِ بِهم، فلذلك اسْتَغْرَبَ اسْتنْكارَ ذلك واعْتِبَارَه مِن
الوَثَنِيَّة !!
وكأَنَّه لم
يَقْرَأْ ما جَاءَ في القُرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ مِن اسْتِنْكارِ
الاسْتِشْفاع بالموتى، واتِّخاذِهم أَوْلياءَ؛ ليُقرِّبوا إِلَى الله زُلْفى، ولم
يَقْرأْ نَهْيَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عن البِناءِ على القبور،
واتِّخاذِها مساجدَ، ولعْنَ مَنْ فَعَل ذلك!!
وإِذَا لم تكنْ
إِقَامة الأَضْرحة والطَّوافُ حوْلَها وَثَنِيَّةٌ؛ فما هي الوَثَنِيَّة؟!
لكنْ كما قال عُمَرُ
بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: «(تُنْقَضُ عُرَى الإِسْلام عُرْوَةً عُرْوَةً إِذَا
نَشَأَ في الإِسْلام مَن لاَ يَعْرِفُ الجَّاهِليَّةَ»).
أَلَمْ يكنْ شِرْكُ
قوْمِ نُوْحٍ متمثِّلاً في دُعاءِ الأَمْوات؟!
أَلَمْ تكنْ
اللاَّتَ ضريحًا لرجُلٍ صالحٍ كان يَلِتُّ السَّويقَ للحاجِّ، فلمَّا مَاتَ؛ عكفوا
على قبْرِه، وطَافُوا حوْلَه؟!
ولو كان هذا الكلامُ
صادرًا عن عاميِّ لا يعرف الحُكْمَ؛ لَهَانَ الأَمْرُ؛ لأَنَّ العاميَّ جاهلٌ،
وتأْثِيرَه على النَّاس محدودٌ، لكنَّ الذي يُؤْسِفنا أَنْ يكون صادرًا عمَّن
يدَّعي العلْم، وقدْ صدرتْ عنه مُؤَلَّفاتٌ كثيرةٌ؛ فهذا قدْ يكون تأْثِيرُه على
النَّاس - خصوصًا محدوديِّ الثَّقافة - شديدًا؛ نظرًا لكثرة مُؤَلَّفاته،
وسُمْعَتِه الواسعةِ، وإِحْسانِ الظَّنِّ به.
ولكنَّ الحقَّ
سينتصر بإذن الله: ﴿فَأَمَّا
ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [الرعد: 17]،
والعلْم لا يُقاس بكثرة الإِصْدارات، وإِنَّما يُقاس بمَدَى معرفةِ الحقِّ مِن
الباطل، والهُدى من الضَّلال، والعملِ بذلك.