ولم يذكر الكاتب
المرجع الَّذي استقى منه تلك القصَّة، ولعلَّه فعل ذلك لئلاَّ يُعْرَفَ من أين
صدرت، مع أنَّ الكتب الَّتي تضمُّ مثل تلك الحكاية السَّاقطة الحاقدة معروفة، ولو
تستَّر عليها وتحفَّظ من ذكرها.
وليس العَجِيبُ مِنْ
وجود مثلها في مزابل بعض الكتب المشبوهة، وإنَّما العجيب أن يلتقطها كاتب يحترم
نفسه، وينتسب للتَّحقيق الصَّحفيِّ، وينفخ فيها، وينشرها في جريدة عالميَّة هي
الأخرى تحترم نفسها، ويفترض فيها أن تتحرَّى فيما تنشره الحقيقة البنَّاءة، لا نشر
الطَّعن في خير رجال الأمَّة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذين هم
خير القرون، والكذب على الأنصار.
ثمَّ ماذا على أبي
سفيان فيما جرى منه قبل أن يُسْلِمَ وقد تاب إلى الله وأسلم، والله تعالى يقول: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ
إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ﴾ [الانفال: 38] ؟!
وماذا على ابنه
معاوية في ذلك، حتَّى لو لم يسلم أبوه ويتب إلى الله تعالى، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ
وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ﴾ [الأنعام: 164] ؟!
ثمَّ مِنْ جَهْلِ
واضع هذه الحكاية وجهلِ الكاتب الَّذي نقلها، أنَّهما خالفا الحقائق
التَّاريخيَّة؛ فإنَّ أبا سفيان لم يحضر قتال بدر؛ لأنَّه قد ذهب مع العير إلى
مكَّة، وكتب إلى قريش يشير عليهم بالرُّجوع لمَّا سلمت العير من المسلمين.
وكذلك جهل أنَّ
مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه من كُتَّاب الوحي المشهورين، وقد ائتمنه الله ورسوله على
ذلك، لا كما تقول الحكاية المكذوبة، وجهل أنَّ رأس الفتنة هو عبد الله بن سبأ
اليهوديُّ الَّذي ادَّعى التَّشيُّع لأهل البيت كذبًا وزورًا. ولكن يأبى الله
إلاَّ أن يفضح الكاذبين.