×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

والكلام في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق الأمور، ومقادير النِّعم الَّتي لا تُعْرَف إلاَّ بوحي، ولا يجوز لأحد أن يتكلَّم فيها بلا علم، ولا يُعرَف عن أحد من المسلمين أنَّه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لا سيَّما على ليلة القدر، ولا كان الصَّحَابَةُ والتَّابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها.

ولهذا لا يُعْرَف أيَّ ليلة كانت، وإن كان الإِسْرَاءُ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلم يُشْرَع تخصيص ذلك الزَّمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعيَّة؛ بل غار حراء الَّذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحرَّاه قبل النُّبوَّة؛ لم يقصده هو ولا واحد من أصحابه بعد النُّبوَّة مدَّة مقامه بمكَّة، ولا خصَّ اليوم الَّذي أُنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خصَّ المكان الَّذي ابتُدئ فيه بالوحي ولا الزَّمان بشيء.

ومن خصَّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله، كان من جنس أَهْلِ الكتاب الَّذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات؛ كيوم الميلاد، ويوم التَّعميد، وغير ذلك من أحواله.

وقد رأى عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلُّون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أتريدون أن تتَّخذوا آثار أنبيائكم مساجد؛ إنَّما هلك مَن كان قَبْلَكُم بِهَذَا، فمن أدركته الصَّلاة فيه، فليصلِّ، وإلاَّ فَلْيَمْضِ.

وقد قال بعض النَّاس: إنَّ ليلة الإسراء... إلخ.

ومن هنا يبدأ نقل كاتب المقال، وإنَّما نقل ما يظنُّ أنَّه يؤيِّد رأيه مفصولاً عن سابقه، وهذا من الخيانة، والتَّلبيس في النَّقل، فلا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.


الشرح