ولو سئل العالم
عمَّن يعدو بين جبلين؛ هل يُباح له ذلك؟ قال: نعم. فإذا قيل: إنَّه على وجه
العبادة؛ كما يُسعى بين الصَّفا والمروة، قال: إنَّ فِعْلَهُ على هذا الوجه حرامٌ
منكَرٌ، يُستتاب فاعله؛ فإن تاب، وإلاَّ قُتِلَ».
وذكر رحمه الله
أمثاله من هذا النَّوع، ثمَّ قال: «والبدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية؛ لأنَّ
العاصي يعلم أنَّه عاصٍ، فيتوب، والمبتدع يحسب أنَّ الَّذي يفعله طاعة؛ فلا يتوب،
ولهذا مَن حضر السَّماع للَّهو واللَّعب لا يعدُّه من صالح عمله؛ فلا يرجو به
الثَّواب، وأمَّا من فعله على أنَّه طريقٌ إلى الله تعالى، فإنَّه يتَّخذه دينًا،
وإذا نُهِي عنه، كان كمن نُهِيَ عن دينه، ورأى أنَّه قد انقطع عن الله، وحُرِم
نصيبه من الله إذا تركه.
فهؤلاء ضُلاَّل
باتِّفاق علماء المسلمين، ولا يقول أحد من أئمَّة المسلمين: إنَّ اتِّخَاذَهَا
دينًا وطريقًا إلى الله تعالى أَمْرٌ مباحٌ، بل مَن جعل هذا دينًا وطريقًا إلى الله
تعالى، فهو ضالٌّ مُفْتَرٍ مخالفٌ لإجماع المسلمين». انتهى المقصود من كلام
الشَّيخ رحمه الله.
وقال الشَّاطبيُّ
رحمه الله في كتاب «الاعتصام» (1/ 270- 273) في ردِّه على بعض المبتدعة ما
ملخَّصه: «وأمَّا ما ذكره من الإِنشادات الشِّعريَّة، فجائز للإنسان أن ينشد
الشِّعر الَّذي لا رَفَثَ فيه، ولا يذكر بمعصية، وأن يسمعه من غيره إذا أنشد على
الحدِّ الَّذي كان ينشد بين يدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو عمل به
الصَّحابة والتَّابعون ومَن يُقْتَدى به من العلماء؛ وذلك أنَّه كان ينشد ويسمع
لفوائد؛ منها: المنافحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام وأهله، ولذلك
كان حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه قد نُصِبَ له منبر في المسجد يُنْشِد عليه
إذا وفدت الوفود، حتَّى يقولوا: خطيبه