أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، ويقول
صلى الله عليه وسلم: «اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» ([1]). وهذا من باب
الجهاد في سبيل الله.
ومنها أنَّهم كانوا
يتعرَّضون لحاجاتهم، ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم؛ كما فعل ابن زهير
رضي الله عنه، وأخت النَّضر بن الحارث؛ مثل ما يفعل الشُّعراء مع الكبراء، هذا لا
حرج فيه ما لم يكن في الشِّعر ذكر ما لا يجوز...».
إلى أن قال: «ومنها أنَّهم
ربَّما أنشدوا الشِّعر في الأسفار الجهاديَّة؛ تنشيطًا لكلال النُّفوس، وتنبيهًا
للرَّواحل أن تنهض في أثقالها، وهذا حَسَنٌ، لكنَّ العَرَبَ لم يكن لها من تحسين
النَّغمات ما يجري مجرى ما النَّاس عليه اليوم، بل كانوا ينشدون الشِّعر مطلقًا من
غير أن يتعلَّموا هذه التَّرجيعات الَّتي حدثت بعدهم، بل كانوا يرقِّقون الصَّوت،
ويمطِّطونه على وجه يليق بأمِّيَّة العرب الَّذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى، فلم
يكن فيه إلذاذٌ، ولا طَرَبٌ يلهي، وإنَّما كان لهم شيءٌ من النَّشاط؛ كما كان
أَنْجَشَةُ وَعَبْدُ الله بْنُ رواحة يَحْدُوَانِ بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
ومنها أن يتمثَّل
الرَّجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة من نفسه؛ ليعظ نفسه، أو ينشِّطها، أو
يحرِّكها لمقتضى معنى الشِّعر».
ثمَّ ذكر الشَّاطبيُّ عن القرافيِّ أنَّه قال: «في الماضين من الصَّدر الأوَّل حجَّة على مَن بعدهم، ولم يكونوا يلحِّنون الأشطار، ولا ينغّمونها بأحسن ما يكون من النَّغم، إلاَّ مِنْ وَجْهِ إرسال الشِّعر، واتِّصال القوافي، فإن كان صَوْتُ أحدهم أَشْجَنَ من صاحبه، كان ذَلِكَ مَرْدُودًا إلى أصل الخِلْقَةِ، لا يتصنَّعون، ولا يتكلَّفون...». انتهى.
([1])أخرجه: البخاري رقم (3213)، ومسلم رقم (2486).