وقال ابْنُ مُفْلِحٍ
في «الفروع» (1/ 61) لمَّا ذكر بعض الأحاديث الواردة في ذلك؛ قال: «وهذه
الصِّيغة عند أصحابنا تقتضي التَّحريم».
والكَاتِبُ نفسه قد
اعترف أنَّ كثيرًا من الفقهاء قد أطلق الحُرْمَةَ على حَلْقِ اللِّحية في أثناء
مقاله.
2- ثمَّ إنَّ
الكَاتِبَ قد افتتح مقالَه وختمه بقوله: «إنَّ المسلمين مهدَّدون من
عدوِّهم، فلا ينبغي لهم الانشغال بالفروع عن دفاع عدوِّهم». ومثَّل لذلك بالَّذي
يسأل عن زُجَاجٍ قد انكسر، وبيته مهدَّد بالنَّسف بالبارود... إلي آخر ما قال.
والجَوَابُ أن
نَقُولَ له: إنَّ دِفَاعَ العدوِّ لا يَتِمُّ إلاَّ بعد إصلاح الحصون، أمَّا إذا
تُرِكَتِ الحصون مهدَّمة، تمكَّن العَدُوُّ من الهجوم على المساكن وغيرها، فيجب
تطهير المجاهدين أنفسهم من المعاصي والمخالفات، والتزامهم لطاعة الله ورسوله،
حتَّى يتمَّ لهم النَّصْرُ على عدوِّهم؛ قال تعالى: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 194].
أمَّا إذا قابلوا
عدوَّهم متلبِّسين بالمعاصي، ومتساهلين بمخالفة الأوامر، كان ذلك سلاحًا لعدوِّهم
عليهم.
3- ثمَّ قال
الكاتب: «فالحرام ما نهى عنه الشَّارع بنصٍّ قطعيِّ الورود، قطعيِّ الدِّلالة،
يُفهم منه أنَّ الشَّرْعَ يراه قبيحًا لذاته...».
والجواب عن ذلك: أنَّه يَلْزَمُ
على هذا القول أن لا يَبْقَى محرَّم -لا حَلْقُ اللِّحية ولا غَيْرُهُ- لأنَّه
يلزم عليه بطلان مدلول الظَّاهر، ومدلول الآحاد، ومدلول العموم؛ لأنَّها لا تصلح
للاستدلال؛ لأنَّها ليست قطعيَّة، وأيضًا الوسائل المفضية إلى محرَّم، لا تكون
محرَّمة؛ لأنَّ الشَّرع لا يراها قبيحة لذاتها، كلُّ هذه الأشياء في نظر الكاتب لا
تفيد التَّحريم إذا أخذنا بلازم قوله.