4- ثمَّ قال الكاتب: «والَّذي ورد في اللِّحية هو الأمر بإعفائها؛ مخالفة للمجوس، وأنا أرى أنَّ ذلك لا يفيد حرمة الحَلْقِ».
ثمَّ علَّل لذلك
بثلاثة أمور:
أحدها: أنَّ الأمر
بالشَّيء على المختار عند الحنفيَّة لا يستلزم حُرْمَةً ضِدَّ المأمور به.
الثَّاني: أنَّ الأَمْرَ
بالشَّيء إذا اقترن بِعِلَّةٍ معقولة المعنى؛ أي أنَّ الشَّارع لم يطلبه لذاته، بل
لأَمْرٍ آَخَرَ مُقْتَرِنٍ به عند صدور الأمر، إذا انفكَّ هذا المقصد عنه، لم
يُفِدِ الأَمْرُ الوُجُوبَ، والأَمْرُ بالإحفاء والإعفاء المقصود منه مخالفة
المجوس؛ كما قال ابن حجر في «فتح الباري».
الثَّالث: أنَّ
مُخَالَفةَ المسلمين غَيْرِهِم مَطْلُوبَةٌ فيما هو من شعائر دينهم، لا مطلقًا،
والرَّسول صلى الله عليه وسلم كان يَلْبَسُ الألبسة الَّتي يلبسها الكفَّار،
وَتَرِدُ من بلادهم، وليس من شعائر دينهم. راجع: «زاد المعاد».
وفي «سُبُل السَّلام»
(2/ 156) أنَّ التَّعْلِيلَ بِكَوْنِ الوصال من فعل النَّصارى لا يقتضي التَّحريم.
والجواب عن ذلك من
وجوه:
أ- قوله: «إنَّ
الأَمْرَ بالشَّيء لا يقتضي حرمة ضدَّ المأمور به على المختار عند الحنفيَّة». جَوَابُهُ
أن نَقُولَ:
أوَّلاً: الأمر بالشَّيء
يَقْتَضِي وجوب المأمور به؛ فالأمر بإعفاء اللِّحَى يقتضي وجوب إعفائها. وهذا هو
المطلوب.
ثانيًا: كَوْنُ الأَمْرِ
يَقْتَضِي حرمة ضدَّ المأمور به، أو لا يقتضي، هذا يَنْبَنِي على الخلاف بين
الأصوليِّين: هل الأمر بالشَّيء نهيٌ عن ضِدِّه