وقد اتَّفق الأئمَّة
الأربعة على وجوب إخراج صدقة الفطر في البلد الَّذي فيه الصَّائم، ما دام فيه
مستحقُّون لها، وصدر بذلك قرار من هيئة كبار العلماء في المملكة؛ فالواجب
التَّقيُّد بذلك، وعدم الالتفات إلى من ينادون بخلافه؛ لأنَّ المُسْلِمَ يَحْرِصُ
على براءة ذمَّته، والاحتياط لدينه، وهكذا كلُّ العبادات؛ لا بدَّ مِنْ أَدَائِهَا
على مقتضى الاعتبارات الشَّرعيَّة؛ نوعًا، ووقتًا، ومصرفًا؛ فلا يغيَّر نوع
العبادة الَّذي شرعه الله إلى نوع آخر.
فمثلاً: فِدْيَةُ الصِّيام
بالنِّسبة للكبير الهَرِمِ، والمريض المُزْمِنِ، اللَّذين لا يستطيعان الصِّيام،
قد أوجب الله عليهما الإطعام عن كلِّ يَوْمٍ، بدلاً من الصِّيام؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ
يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ﴾ [البقرة: 184]، وكذلك الإطعام في الكفَّارات؛ كفَّارة الظِّهار، وكفَّارة
الجماع في نهار رمضان، وكفَّارة اليمين، وكذلك إخراج الطَّعام في صدقة الفطر؛ كلُّ
هذه العبادات لا بُدَّ من إخراج الطَّعام فيها، ولا يُجْزِئُ عنه إخراج القيمة من
النُّقود؛ لأنَّه تَغْيِيرٌ للعبادة عن نوعها الَّذي وجبت منه؛ لأنَّ اللهَ نَصَّ
فيها على الإطعام؛ فلا بُدَّ من التَّقيُّد به، ومن لم يتقيَّد به، فقد غيَّر العبادة
من نوعها الَّذي أوجبه الله.
وكذلك الهَدْيُ
والأضاحي والعَقِيقَةُ عن المولود؛ لا بُدَّ في هذه العبادات أن يذبح فيها من
بهيمة الأنعام النَّوع الَّذي يُجْزِئُ منها، ولا يجزئ عنها إخراج القيمة، أو
التَّصدُّق بِثَمَنِهَا؛ لأنَّ الذَّبْحَ عِبَادَةٌ؛ قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَٱنۡحَرۡ﴾ [الكوثر: 2]، وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، والأكل من هذه الذَّبائح والتَّصدُّق من لحومها عبادة؛
قال تعالى: ﴿فَكُلُواْ
مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، فلا
يجوز ولا يُجْزِئُ إخراج القيمة