×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الأول

 أو التَّصَدُّقُ بالدَّراهم بدلاً من الذَّبْحِ؛ لأنَّ هذا تَغْيِيرٌ للعبادة عن نَوْعِهَا الَّذي شرعه الله، ولا بُدَّ أيضًا أن تُذْبَحَ هذه الذبائح في المكان الَّذي شرع الله ذبحها فيه؛ فالهَدْيُ يذبح في الحَرَم؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ [الحج: 33]، وقال تعالى في المُحْرِمِينَ الَّذين ساقوا معهم الهَدْيَ: ﴿وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ [البقرة: 196].

والأُضْحِيَةُ والعَقِيقَةُ يَذْبَحُهُمَا المسلم في بَلَدِهِ، وفي بَيْتِهِ، ويأكل ويتصدَّق منهما، ولا يبعث بقيمتهما ليشتري بها ذبيحة تذبح وتوزَّع في بَلَدٍ آخَرَ؛ كما ينادي به اليوم بعض الطَّلبة المبتدئين، أو بعض العوامِّ؛ بحجَّة أنَّ بَعْضَ البلاد فِيهَا فُقَرَاءُ وَمُحْتَاجُونَ.

ونحن نقول: إنَّ مُسَاعَدَةَ المحتاجين من المسلمين مَطْلُوبَةٌ في أَيِّ مَكَانٍ، لكن العبادة الَّتي شرع الله فِعْلَهَا في مكان معيَّن لا يجوز نَقْلُهَا منه إلى مَكَانٍ آخَرَ؛ لأنَّ هذا تَصَرُّفٌ وَتَغْيِيرٌ للعبادة عن الصِّيغة الَّتي شَرَعَهَا اللهُ بها.

وهؤلاء شوَّشوا على النَّاس حتَّى كَثُرَ تَسَاؤُلُهُم عن هذه المسألة، ولقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يبعث بالهَدْيِ إلى مكَّة ليذبح فيها وهو مُقِيمٌ بالمدينة، ويذبح الأضحية والعقيقة في بيته بالمدينة ولا يبعث بهما إلى مكَّة، مع أنَّها أَفْضَلُ من المدينة، وفيها فقراء قد يكونون أَكْثَرَ حَاجَةً من فقراء المدينة، ومع هذا تقيَّد بالمكان الَّذي شَرَعَ الله أداء العبادة فيه، فلم يذبح الهدي بالمدينة، ولم يبعث بالأضحية والعقيقة إلى مكَّة، بل ذبح كلَّ نَوْعٍ في مكانِهِ المشروع الذَّبْحُ فيه، «وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُْمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» ([1]).


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (867).