وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلاَّ فِي فُرُوعِ
الْفَجْرِ». وفي «الموَطَّإِ» عن عبدِ اللهِ بنِ أَبي بكرٍ قال: «سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوُلُ: كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ مِنَ القِيَامِ فَنَتَعَجَّلُ الخَدَمَ
بِالطَّعَامِ مَخَافَةَ فَوْتِ السُّحُوُرِ».
وروى أَبُو بَكرِ
بنُ أَبي شَيْبَةَ، عن طَاوُوسٍ قال: سمعتُ ابنُ عبَّاسٍ يقول: «دَعَانِي عُمَرُ
أَتَغَدَّى عِنْدَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي السَّحُورَ فِي رَمَضَانَ.
فَسَمِعَ هَيْعَةَ النَّاسِ حِينَ خَرَجُوُا مِن المسْجِدِ، قَالَ: مَا هِي؟
قَالَ: هَيْعَةُ النَّاسِ حِينَ خَرَجُوُا مِن المسْجِدِ. قَالَ: مَا بَقِيَ مِن
الليْلِ خَيْرٌ مِمَّا ذَهَبَ مِنْهُ». ورَوى ابنُ أَبي شَيبَةَ عن وَرَقَةَ:
«كَانَ سَعِيِدُ بنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا فِي رَمَضَانَ، فَيُصَلِّي بِنَا
عِشْرِيِنَ لَيْلَةٍ سَتَّ تَرْوِيحَاتٍ، فَإِذَا كَانَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ
اعْتَكَفَ فِي المسْجِدِ فَصَلَّى بِنَا سَبْعَ تَرْوِيحَاتٍ».
فتبين بذلك أَن الصحابةَ
والتابعين كانوا يمدُّون الصلاة إِلى قُرب طلوع الفجر، والظاهر مِن مجموعِ الآثار
أَن هذا يكون مِنهم في بعض الليالي دون بعض، ويحتمل أَن يكون ذلك في العَشر
الأَواخر لما ذكرنا مِن حديث أَبي ذَرٍّ أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قام بهم
في العَشرِ ليلةً إِلى نصفِ الليلِ، وليلةَ إِلى أَن خافوا فواتَ السَّحورِ، ولما
لم يخرج إِليهم في بعض الليالي؛ اعتذر إِليهم بأَنه خشي أَن يُفرض عليهم، فما
أَعظم جراءة مَن يقول: إِن مدَّ الصلاةِ في العَشر إلى آخرِ الليلِ بدعةٌ. مع ما
قدَّمنا من الأَحاديث والآثار!
قال ابنُ القيِّمُ
رحمه الله: «اختلف قولُ الإِمامِ أَحمدَ في تأْخير التراويحِ إِلى آخرِ الليل،
فعنه: إِن أَخَّروا القيام إلى آخرِ الليل فلا بأْسَ كما قال عُمَرُ، فإِن
السَّاعة التي ينامون فيها أَفضل، ولأَنه يحصل قيامٌ بعد رقْدةٍ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ
هِيَ أَشَدُّ وَطۡٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: 6] ».