ومن
هنا فالمُحدِّثون لا يَقبلون رواية مجهول الحال، بينما يَقبلون رواية الصادق
المُتثبِّت في روايته، ويَرُدون خبر الكذاب.
وقد
لا يكون هذا المُخبِر متعمدًا للكذب، ولكن من طبيعته العجلة، فيُخبر وهو لم يتثبت؛
فلهذا حَذَّر الله من قَبول مثل هذا.
فدل
على أن العدل تُقْبَل روايته وخبره. وإنما يُتوقف في رواية الفاسق. وكذلك مجهول
الحال.
قال:
﴿فَتَبَيَّنُوٓاْ﴾ أي: فتَثَبَّتُوا؛ كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ﴾ [النساء: 94]، أي: فتَثَبَّتُوا ممن تلاقونهم، لا
تبادروهم بالقتال حتى تتثبتوا من شأنهم، ﴿وَلَا
تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا تَبۡتَغُونَ
عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا﴾
[النساء: 94]، فالتثبت مطلوب.
ومن
هنا: يجب على المسلمين عمومًا، وعلى طلبة العلم خصوصًا، وفي
هذا الزمان أَخص - التثبت عند الشائعات التي أوقعت العداوة بين الناس، وخصوصًا بين
طلبة العلم، وبين طلبة العلم والمشايخ، وبين المشايخ بعضهم مع بعض، بسبب الشائعات،
وأخبار الفساق أو أخبار الذين لا يتثبتون!! فوقعت مفاسد الآن - خصوصًا بين الشباب
وطلبة العلم - وهذا أمر لا يجوز.
فيجب التثبت في الأمور!! ومن ذلك: لو أن عالمًا أو طالب علم حصل منه خطأ، فلا يشاع خطؤه ولا يُذْكَر في المجالس. وإنما يُتصل به ويُناصَح سرًّا، ويقال له: إنك يُذْكَر عنك - أو: حصل منك - كذا وكذا، وهذا غلط، وهذا كذا. ويُبيَّن له. فهذا هو طريق النصيحة. أما التشهير في المجالس فهذا يعتبر من الغِيبة، وسيأتي في هذه السورة التحذير من الغِيبة.