فأوصى
صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أن يُرْجَع إلى سُنته، وإلى سُنة خلفائه الراشدين
رضي الله عنهم - فيما أشكل وفيما نزل، ففيها الهداية وبيان الصواب.
ثم
قال سبحانه وتعالى: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي: لو أن الرسول أطاعكم وتَمَشَّى معكم ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ يعني: لتعبتم. من العَنَت وهو التعب؛ ولهذا قال سبحانه
وتعالى: ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ
ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ﴾ [المؤمنون: 71].
فلو
أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاوعهم على أهوائهم، وعلى رغباتهم، وعلى أفكارهم؛ لحصل
التعب للأمة. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ﴿إِنۡ هُوَ
إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾
[النجم: 4]، فهو المعصوم صلى الله عليه وسلم. أما آراء الناس واجتهادات الناس،
فإنها عُرْضة للخطأ.
ثم
قال عز وجل: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ
حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ
إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ﴾
[الحجرات: 7].
﴿وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ
حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ﴾
المؤمن ليس هناك شيء أَحَبُّ إليه من الإيمان، إذا وجد حلاوته وخالط بشاشة قلبه
فليس هناك شيء ألذ عنده من الإيمان؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثٌ
مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ
لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ
اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» ([1]).
ولهذا إذا خالط الإيمان القلب ووَجَد العبد حلاوته، ثَبَت ولم يرتد عنه، ولو قُطِّع، ولو عُذِّب، ولو حُرِّق، فإنه لا يرجع عن الإيمان!!
([1]) أخرجه: البخاري رقم (16)، ومسلم رقم (43).