عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ
أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: «خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ
بِالْمَعْرُوفِ» ([1])،
وهذا وَصْف ذم، لكن ما قَصْدها تَنَقُّص أبي سفيان، وإنما قَصْدها الوصول إلى حقها
وبيان السبب لذلك.
فإذا
كان هذا من باب التظلم عند الحكام والقضاة؛ لأجل الوصول إلى الحق، فلا بأس بذلك.
وكذلك
عند المشورة، إذا شاورك واحد يريد أن يزوج شخصًا، أو يريد أن يسافر معه، أو يريد
أن يشاركه: ما رأيك بفلان؟ إذا كنتَ تعلم له عيبًا فاذكره؛ لأن هذا من النصيحة؛
ولهذا لما جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
تستشيره؛ لأنه خطبها معاوية وخطبها أبو جهم، أيهما تتزوج؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ
عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ» ([2])
قالوا: معناه أن أبا جهم دائم السفر والغَيبة عن زوجته، أو أنه يَضرب النساء.
فالرسول ذَكَر عيب الرجلين لأجل المشورة؛ لأن هذا من النصيحة لا من باب التفكه في
أعراض الناس. أما إذا كان لغير ذلك، فالغِيبة كبيرة من كبائر الذنوب.
ثم شَبَّه سبحانه وتعالى الغِيبة بأسوأ مثال لأجل التنفير منها، فقال: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ﴾ [الحجرات: 12] فالذي يغتاب أخاه ويقع في عرضه - كالذي يأكل لحمه وهو ميت، في بشاعة هذا الأمر، النفوس تنفر من هذا، تنفر من أكل الميتات عمومًا، وأَكْل ميتة
([1]) أخرجه: البخاري رقم (211)، ومسلم رقم (1714).