ويتظاهر بذلك؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾ [الحجرات:
13] يعلم التقي من غيره - سبحانه - ويعلم ما في القلوب، حتى ولو تظاهر الإنسان
بالدين، وتظاهر بالتقوى، وتظاهر بالورع والزهد، ما دام أنه ليس في قلبه ما يصدق
ذلك فإن الله يعلم ما في قلبه ولن ينفعه التظاهر، فالله عليم بأهل التقوى باطنًا
وظاهرًا من الذين يتظاهرون بالتقوى دون الباطن فلا يخفى على الله شيء، فهذا فيه سد
الطريق للدعاوي الباطلة، والمظاهر التي لا حقيقة لها، إنها لا تنفع عند الله
سبحانه وتعالى، وإن نفعت عند الناس فهذا نفع ينتهي، لكن النفع الباقي والمستمر هو
عند الله سبحانه وتعالى هو تقوى القلوب.
ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ﴾ الأعراب: جمع أعرابي، وهو الذي يسكن البادية، وأما الحضري فهو الذي يسكن الحاضرة ([1])، والغالب على الأعراب الجفاء، والجهل وعدم الفقه في الدين ورقة الإيمان، والنفاق، لاسيما عند الطمع، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرٗا وَنِفَاقٗا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ﴾ [التوبة: 97]، فهم حريون بالجهل، وحريون بالكفر والنفاق، وما أسرع ما يرتدون؛ لأن الإيمان لم يتمكن من قلوبهم، وليس عندهم فقه في دين الله سبحانه وتعالى، فهذا وصف ذم لكن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ﴿قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ﴾ ادعوا لأنفسهم أنهم مؤمنون، في حين أنهم لم يصلوا إلى هذه الدرجة، وإنما هم في البداية، فهم ادعوا كمال الإيمان، قالوا: آمنا، وإنما يقال لهم: مسلمون، والإسلام أوسع من الإيمان، الإسلام يدخل فيه المؤمن
([1]) انظر: تهذيب اللغة (2/218)، والقاموس المحيط (ص145)، والمفردات في غريب القرآن (1/328).