النار، وما يكون في
الآخرة، فهذه لا يعلم تأويلها إلاَّ الله، وإنما يُعرف تأويلها إذا وقعت، وحصلت،
أما قبل ذلك فلا يعلمها إلاَّ الله سبحانه وتعالى؛ كما قال يوسف عليه السلام: ﴿يَٰٓأَبَتِ
هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ﴾
[يوسف: 100]، قاله بعد مدة، فالرؤيا حدثت في أول عمره، والتأويل إنما حصل في آخر
عمره، فقال عليه السلام: ﴿يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ﴾ أي: تفسيرها، وقال سبحانه وتعالى: ﴿هَلۡ
يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ﴾
[الأعراف: 53] أي: ما ينتظرون إلاَّ وقوع ما أُخبر به يوم القيامة، ﴿يَوۡمَ يَأۡتِي
تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا
بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ
فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ﴾
[الأعراف: 53]، فهذا التأويل لا يُعرف إلاَّ عند وقوعه، أما قبل وقوعه، لا يعلمه
إلاَّ الله سبحانه وتعالى: وهذه الحروف من هذا - على رأي بعضهم - أنهم من المتشابه
الذي لا يعلم تأويله إلاَّ الله؛ ولهذا يقول كثير من المفسرين: الله أعلم بمراده
بها.
القول الثاني -وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وجماعة من المحققين، والمفسرين-: أن في هذه الحروف المقطعة دلالة على إعجاز القرآن؛ لأن القرآن كلام عربي مرتب، أو مركب من هذه الحروف التي تنطقون بها، ومع هذا عجزتم عن الإتيان بسورة من مثله، مع أنه مركب من حروف تنطقون بها، ففيه إشارة إلى الإعجاز؛ ولذلك يأتي بعد كل حرف منها ذكر للقرآن، يقول عز وجل: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢﴾ [البقرة: 1- 2]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿الٓمٓ ١ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ ٢ نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ ٣﴾ [آل عمران: 1- 3]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]، وقال: ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَا