فقد ينزل المطر، ولا ينبت
شيئًا، وقد ينزل المطر غزيرًا، وكثيرًا، ولا يجعل الله إنباتًا، ﴿فَأَنۢبَتۡنَا
بِهِۦ جَنَّٰتٖ﴾ بساتين ملتفة خضراء بهية فيها الثمار، وفيها
الأنهار، جنات في الدنيا، والجنة: هي الشجر الأخضر الملتف من أثر ذلك المطر، ولم
يحدد هذه الجنات بل جنات كثيرة، ومتنوعة.
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ ٩ وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ ١٠﴾ [ق: 9- 10] لماذا خص الحب والثمر؟ لأن هذين هما القوت؛ لأن الناس يقتاتون بالحبوب، والثمار، حبوب البر، والدُخن، والذرة، والأرز، وغير ذلك، وثمر النخل قوت للناس، وأيضًا الفواكه من الخضار، والثمار، والعنب، وغير ذلك، مما يتفكه الناس به، وأما الحبوب، والثمار فهي غذاء أخص من غيرها، فما ينبته الله يكون فيه عدة منافع منها: ما يكون غذاء، ومنا ما يكون فاكهة، ومنها ما يكون دواء ومنها ما يكون لرعي البهائم، قال سبحانه وتعالى: ﴿كُلُواْ وَٱرۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ﴾ [طه: 54] ففيه منافع متعددة؛ ولهذا صار مباركًا، والمبارك: هو كثير البركة، كثير الخير ([1])، ﴿وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ﴾، وهو الذي يُحصد، ويؤخذ من الحنطة، والشعير، والذرة وغير ذلك مما يقتاته الناس، قد تقول: إن ليس كل ما يقتاته الناس من المطر، بل الناس يزرعونه من الآبار. فنقول: من أين جاءت الآبار؟ جاءت الآبار من المطر، فالله عز وجل سلك المطر ينابيع في الأرض، ينزل على الأرض ثم تخزنه الأرض، ثم الناس يغترفون منها، وينضحون، ويغرسون، ويزرعون،
([1]) انظر: لسان العرب مادة (برك) فصل الراء (6/100)، وتاج العروس باب (بذر) (10/146).