وفي
الحديث: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ» ([1])
فهذا الذي دائمًا يراقب الله ويخشى الله، سواءٌ كان مع الناس أو خاليًا. هذا له
مزية على غيره.
أما
الذي يخشى الله في العلانية لكونه مع الناس، فإذا خلا أعطى لنفسه العِنان في
المعاصي؛ فهذا لا يخشى الله سبحانه وتعالى، وإنما يخشى الناس. قال سبحانه وتعالى: ﴿يَسۡتَخۡفُونَ
مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ
يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ
مُحِيطًا﴾ [النساء: 108].
وفي
الحديث: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ
تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ([2])،
فإن بَلَغْتَ مرتبة اليقين وصرت كأنك ترى الله، فهذه أعلى الدرجات. وإن لم تَبلغ
ذلك، فاعلم أنه يراك، فاتقِ الله سبحانه وتعالى.
والخَشية
من أعمال القلوب، ليست الخَشية من أعمال الجوارح والبدن. فالذي يتخاشع بجسمه
وبأعضائه هذا ليس هو محل الخَشية، محل الخَشية في القلب. الخَشية والخوف، والرغبة
والرهبة، والرجاء - هذه من أعمال القلوب.
ويُروى
أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً - أو: شابًّا - يصلي مطأطئًا رأسه، فقال عمر رضي
الله عنه: «أَيُّهَا الشَّابُّ، ارْفَعْ رَأْسَكَ فَلَيْسَتِ الخَشْيَةُ
بِالرِّقَابِ، وَإِنَّمَا الخَشْيَةُ فِي القُلُوبِ».
قال عز وجل: ﴿وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ﴾ [ق: 33] أي: جاء إلى الله عز وجل بقلب راجع إلى الله عز وجل. هذا هو الذي تُقَرَّب له الجنة يوم القيامة، وتَقَر عينه
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (1987)، وأحمد رقم (6890)، والبيهقي في ((الشعب)) رقم (7662).