﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢﴾ [الغاشية: 21، 22]، فلا
يَضيرك إذا لم يؤمنوا، أنت قد أديت الذي عليك وبَلَّغْتَ. وقال سبحانه وتعالى: ﴿لَّيۡسَ
عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ﴾ [البقرة: 272]، فالهداية ليست على الرسول ولا على
الدعاة، وإنما هي بيد الله، أما الرسل والدعاة فإنما عليهم البلاغ والبيان للناس.
وكان
صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية الناس، وكان يُتعب نفسه ويَشق عليه أنهم لا
يؤمنون، فالله طمأنه فقال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ﴾ أي: مُهْلِك نفسك ﴿إِن لَّمۡ
يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا﴾
[الكهف: 6]، لا تأسف عليهم. وقال سبحانه وتعالى: ﴿لَعَلَّكَ
بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾
[الشعراء: 3]، فالله طمأنه وقال: لا يشق عليك عدم قَبولهم؛ لأن هذا ليس من شأنك،
وهذا بيد الله سبحانه وتعالى، وأنت أديت الذي عليك وهو: الدعوة والبلاغ. وهذه مهمة
الدعاة إلى الله عز وجل.
ثم
قال عز وجل: ﴿فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ
مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45]
عليك بالتذكير. قال سبحانه وتعالى: ﴿فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ ٩ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ ١٠ وَيَتَجَنَّبُهَا
ٱلۡأَشۡقَى ١١ ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ ١٢﴾ [الأعلى: 9- 12].
﴿فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ﴾ فالقرآن هو أعظم الذكر، وأعظم التذكير، وأعظم واعظ؛
ولهذا قال قبل آيات: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ
أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ﴾
[ق: 37]، فأعظم واعظ وأعظم مُذكِّر هو القرآن العظيم، ذَكِّر به، أي: بالقرآن.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يُكثر من تلاوة القرآن في خطبة الجمعة؛ لأن القرآن هو أعظم الذكر وأعظم المواعظ.