ويكون
الإحسان بين العبد وبين الناس، ببذل الندى، وكف الأذى عنهم. ويكون الإحسان بين
العبد وبين المخلوقين. فالإحسان عام.
وقيل:
﴿إِنَّهُمۡ
كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ﴾
[الذاريات: 16] أي: قبل أن تُفْرَض عليهم الفرائض، وهم يعبدون الله عز وجل بأنواع
العبادات. فلما فُرِضت الفرائض التزموا بها وأَدَّوها، فكانوا على صلة مع الله
سبحانه وتعالى.
وقيل:
إن هذا في الآخرة - كما سبق - وهذا هو الذي يَظهر - والله أعلم -.
ومن
إحسانهم أنهم ﴿كَانُواْ
قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ﴾
[الذاريات: 17] يتهجدون في الليل.
و
﴿مَا﴾ قيل: إنها نافية ([1])،
أي: كانوا قليلاً لا يهجعون فيه من الليل، أي: يُصَلُّون من الليل، ولو قليلاً،
ولا يتركون قيام الليل ولو قليلاً، حتى جاء عن بعض السلف: «صَلاَةٌ مِنَ اللَّيْلِ
وَلَوْ قَدْرُ حَلْبِ شَاةٍ» ([2])،
فالإنسان لا يحتقر قيام الليل، حتى ولو قليلاً، فيداوم عليه؛ لأن خير العمل وأحبه
إلى الله ما داوم عليه صاحبه ([3]).
فتكون
﴿مَا﴾هنا بمعنى «لا»، والتقدير - والله أعلم -: كانوا لا يهجعون
قليلاً من الليل، يقومون فيه لربهم سبحانه وتعالى، وينامون غالب الليل، ولا حرج
عليهم في ذلك.
وقيل: إن ﴿مَا﴾ مصدرية تُسْبَك مع ما بعدها بمصدر، أي: كان قليلاً هجوعهم، وأكثره يُصَلُّون، فيُكثرون من قيام الليل، ولا ينامون إلاَّ قليلاً منه.
([1]) انظر: شرح شذور الذهب (1/ 473)، وشرح قطر الندى وبَلّ الصَّدَى (1/ 142).