×
ما تيسر وتحصل من دروس القرآن في حزب المفصل الجزء الأول

وهذه الآية وأمثالها نزلت في مكة، يوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم منهيًّا عن القتال؛ لأن المسلمين لا يستطيعونه، فأُمِر بالإعراض عنه والاستمرار في الدعوة إلى الـله.

ولهذا قال: ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الذاريات: 55] مع إعراضك عن أذاهم لا تيأس، واستمر على التذكير وعلى الدعوة إلى الـله؛ فإن هناك مَن يَقبل منك ويتبعك، ﴿فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ، فالموعظة تنفع أهل الإيمان، وترقق قلوبهم وتقربهم إلى الحق.

وأما الكفار الذين أصروا على كفرهم وعنادهم، فلا ينفع فيهم التذكير، لكن يكون حُجة عليهم يوم القيامة؛ بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذَكَّرهم وبَلَّغهم، فتمردوا وعَصَوْا.

ودلت هذه الآية على أن الذي يتأثر بالتذكير ويتعظ أنه مؤمن.

وتدل بمفهومها على أن الذي لا يَقبل التذكير ليس بمؤمن. فالإيمان يقتضي قَبول التذكير والموعظة. وأما الكافر فلا يَقبلها، لكن تقوم عليه الحُجة؛ ولهذا قال قوم عاد لهود عليه السلام: ﴿سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ [الشعراء: 136]، فلم تنفع فيهم. وفي الآية الأخرى: ﴿فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ ٩ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ ١٠ وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى ١١ ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ ١٢ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ ١٣ [الأعلى: 9- 13].

فأنت أيها الداعية وأيها الواعظ وأيها المُذكِّر، لا تيأس؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وتنفع مَن يخشى الـله سبحانه وتعالى، ولن يُعْدَم في العباد مَن يكونون كذلك ولو كانوا قليلين، فالذكرى لها فائدة ولها أثر عظيم!! فلا ييأس الدعاة والمُذكِّرون والوعاظ من تذكير الناس، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.


الشرح