ثم
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ
وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾
[الطور: 47] يعني: دون ما يحصل يوم القيامة، لهم عذاب في الدنيا، عذاب قريب في
الدنيا.
قيل:
هو ما أصابهم يوم بدر وما بعدها من انتصارات الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم
وقَتْلهم.
وقيل:
المراد به عذاب القبر؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ
ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾
[السجدة: 21].
ولا
مانع من أن يكون كلاهما مرادًا ([1]).
ومعنى
﴿ظَلَمُوا﴾ أي: ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك.
﴿وَلَٰكِنَّ
أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾
[الطور: 47]، لا يعلمون العلم الذي ينفعهم. وإنما ﴿يَعۡلَمُونَ
ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ﴾ [الروم: 7] يعلمون الاختراعات واستخراج الكنوز من بطن
الأرض من المعادن والصناعات، يَعلمون، هذا كله من أمور الدنيا، وهو فانٍ ومنقطع!
وإنما العلم الذي ينفع هو علم الآخرة وعلم الشرع، هذا هو العلم الذي ينفع وينجي
يوم القيامة إذا عُمِل به ﴿وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [الطور: 47].
ثم قال عز وجل مسليًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ﴾ اصبر واستمر على الدعوة ولا تَلِن، ولا تخف منهم ومن كيدهم وتهريجهم وإشاعاتهم! بل امضِ في سبيلك واصبر. وفي الآية الأخرى: ﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ﴾ [الأحقاف: 35].
([1]) انظر: تفسير الطبري (27/ 36)، وزاد المسير (8/ 59)، وتفسير القرطبي (17/ 78)، وتفسير ابن كثير (4/ 246)).