ولما
جاء جُبَيْر بن مُطْعِم إلى المدينة، وكان كافرًا، بعد غزوة بدر يريد فَِكاك
الأسرى الذين أسرهم المسلمون من أهل مكة، فسَمِع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ
هذه الآيات في صلاة المغرب: ﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ
٣٥ أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ بَل لَّا
يُوقِنُونَ ٣٦﴾
[الطور: 35- 36]، قال: فكاد قلبي أن يطير!! مع أنه كافر في ذاك الوقت، لما سمع هذه
الآيات المحيرة المُلْزِمة المفحمة، تحير وكاد قلبه أن يطير، ثم مَنَّ الله عليه
بعد ذلك بالإسلام، فأسلم وحَسُن إسلامه، رضي الله عنه.
لكن
الشاهد أنه لما سمع هذه الآيات كاد قلبه أن يطير من التعجب من بلاغتها وفصاحتها
وإفحامها للخصوم؛ لأنه عربي فصيح.
﴿قُلۡ
أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ﴾ [الأحقاف: 4]، هل واحد منهم ادعى أنه خَلَق جبلاً من
الجبال، أو شجرة من الأشجار، أو خلق نهرًا أو بحرًا؟ لا أحد استطاع أن يَدَّعِي
هذا!
فدل
على انفراد الله بالخلق، وما دام أنه هو المنفرد بالخلق فهو المنفرد بالألوهية
والعبادة. فهذا فيه إبطال الشرك من أصله.
ثم
قال عز وجل: ﴿أَمۡ عِندَهُمۡ
خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلۡمُصَۜيۡطِرُونَ﴾
[الطور: 37] خزائن ربك ما عنده من الخيرات والأرزاق، فهم حسدوك على الرسالة والنبوة
التي أعطاك الله إياها. هل هم يملكون خزائن الله، ويريدون منع الإعطاء من الله عز
وجل ؟ يَحْجُرون على الله عز وجل، يَحْجُرون عليه سبحانه وتعالى في عطائه لخلقه؟ ﴿أَمۡ عِندَهُمۡ
خَزَآئِنُ رَبِّكَ﴾ ليمنعوا
الرسالة ويعطوها مَن يشاءون. خزائن الله بيده سبحانه وتعالى، لا أحد يملكها سواه
أبدًا.
قال سبحانه عن المنافقين: ﴿هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ﴾ [المنافقون: 7].