يا محمد. كما قال عز وجل: ﴿وَلَقَدۡ
رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ﴾
[التكوير: 23]، هذه الرؤية الأولى، فقد رآه مرتين على خِلقته المَلَكية. وأما في
سائر اللقاءات، فكان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة إنسان،
بحضرة أصحابه، وأصحابه ينظرون إليه ويظنون أنه من الناس، فيُكلِّم النبيَّ صلى
الله عليه وسلم.
كما
في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما دخل عليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد
سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منهم أحد، فجلس إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، وهم ينظرون إليه، وسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أسئلة
يسمعونها، والرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه عن كل سؤال، إلاَّ واحدًا من الأسئلة،
وهو سؤاله عن قيام الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا
بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» ([1])،
يعني: أنا وأنت سواء، لا نعلم متى تقوم الساعة، هذا لا يعلمه إلاَّ الله سبحانه
وتعالى.
هذه
غالب أحواله عليه السلام، أنه يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة بشر؛
لكيلا يَنفر منه الصحابة ولا يستوحشوا، إلاَّ في هاتين المرتين:
المرة
الأولى: رآه في الأفق المبين، وهو صلى الله عليه وسلم في
الأرض، في بطحاء مكة، وجبريل في الأفق الأعلى، فكَلَّمه بما شاء الله سبحانه
وتعالى ([2]).
والمرة
الثانية: في السماء حين عُرِج به إليها.
﴿ثُمَّ دَنَا﴾جبريل عليه السلام دنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ٩﴾ [النجم: 8- 9]، أي: زاد في القرب من محمد صلى الله عليه وسلم، حتى كان منه قاب قوسين، تثنية قوس، وهو ما يُرْمَى به، وكان هو السلاح المعروف عند العرب.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (8).