يوم كان الرسول صلى الله
عليه وسلم في مكة، وبعدما هاجر للمدينة أَمَره الله بجهادهم؛ لقَطْع دابر الكفر
والشرك، وليَهدي الله مَن يشاء منهم إلى الحق ([1]).
﴿وَلَمۡ يُرِدۡ
إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا﴾ولا
يريد الآخرة.
﴿ذَٰلِكَ
مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ﴾
فليس عندهم علم بالآخرة ولا إيمان، وإنما هم أصحاب مطامع وشهوات عاجلة، ولا يفكرون
في الآخرة والبعث والنشور، فهمهم الدنيا! ولهذا جاء في الدعاء: «وَلاَ تَجْعَلِ
الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا» ([2]).
فأهل
الإيمان يؤمنون بالآخرة ويستعدون لها، ولا يضيعون الدنيا أيضًا، بل يأخذون من
الدنيا ما يستعينون به على الآخرة، وما يحتاجون إليه في حياتهم، فهم سَعِدوا في
الدنيا وفي الآخرة.
﴿إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ ٱهۡتَدَىٰ﴾ فالله عز وجل بعلمه الأزلي يعلم كل شيء، يَعلم مَن
يهتدي، ويَعلم مَن لا يَقبل الهداية؛ لأنه أعرض عن الهداية وأعرض عن سماع الحق،
وانشغل بالدنيا وتَرَك الآخرة، فالله عز وجل حَرَمه وأضله وحَرَمه من الهداية، فهو
السبب في حرمان نفسه.
﴿وَإِذۡ قَالَ
مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي
رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ
لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾
[الصف: 5].
فدل على: أنه يهدي القوم المؤمنين، وإنما يَحرم الهداية القوم الفاسقين والكافرين بكفرهم وفسقهم.
([1]) انظر: زاد المسير (8/ 75)، وتفسير القرطبي (17/ 105).