ولم
يكتفوا بهذا الوصف، بل زجروه ﴿وَٱزۡدُجِرَ﴾
أي: زجروه وهددوه صلى الله عليه وسلم، وأغلظوا في حقه، وهو يصبر صلى الله عليه
وسلم على أذاهم.
عند
ذلك لما طال العهد، ولم يستجب له إلاَّ القليل، وأخبره الله ﴿أَنَّهُۥ لَن
يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ
يَفۡعَلُونَ﴾ [هود: 36]، ﴿فَدَعَا
رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ﴾
[القمر: 10]، أي: انتصِر لي من الكفار الذين بَلَغوا حدًّا من الكفر والتحدي لم
يبلغه غيرهم.
فانتصِر
لي يا رب منهم!! لأن الله ينتصر لعباده المؤمنين، ويجعل العاقبة لهم على الكافرين
والمعاندين.
فأجاب
الله دعاءه، فأَمَر السماء فانهمرت بالماء، وأَمَر الأرض فنبعت بالمياه، ﴿فَفَتَحۡنَآ
أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ ١١ وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ
عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ ١٢﴾ [القمر: 11- 12]، حتى
التنور الذي كان توقد فيه النار ومحل الحريق - نَبَع، صار عينًا.
﴿فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ﴾: ماء السماء وماء الأرض ﴿عَلَىٰٓ أَمۡرٖ
قَدۡ قُدِرَ﴾ [القمر: 12]، على أمر قد
قَدَّره الله وقضاه. وقيل: ﴿عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ﴾
أن الله قد قَدَّر ماء السماء وماء الأرض، فقَدَّر ما ينبع من الأرض، وقَدَّر ما
ينزل من السماء، فالتقى ماء السماء المُقدَّر وماء الأرض المُقدَّر ([1]).
وماذا
كان لنوح عليه السلام ؟ وما هو شأنه في هذه الحادثة؟
﴿وَحَمَلۡنَٰهُ﴾ أي: حَمَلنا نوحًا عليه السلام، ﴿عَلَىٰ ذَاتِ
أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ﴾ [القمر:
13]، وهي السفينة.
أَمَره الله أن يصنع السفينة، فلما تكامل صنع السفينة، أَمَره الله أن يَحمل فيها من كل جنس زوجين اثنين لبقاء النسل. ثم عم الطوفان،
([1]) انظر: تفسير الطبري (27/ 93)، وزاد المسير (8/ 92)، وتفسير القرطبي (17/ 132).