﴿إِنَّآ إِذٗا﴾، أي: إن اتبعناه ﴿لَّفِي ضَلَٰلٖ﴾، وهل أشد من الضلال الذي هم فيه؟! يزعمون أنهم على هدى،
وأنهم إن تركوا ما هم عليه وتبعوا صالحًا، صاروا في ضلال، ﴿وَسُعُرٍ﴾ [القمر: 24]، أي: شر. يَحذرون من اتباع نبي الله صلى
الله عليه وسلم، وأن مَن اتبعه فقد ضل، ومن عصاه وبقي على ما هو عليه فهو على هدى،
فاعتقدوا الحق باطلاً، والباطل حقًّا، وهذا من انتكاس فِطَرهم!
ثم
قالوا: ﴿أَءُلۡقِيَ
ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا﴾،
أي: أأُنزل الوحي عليه من بيننا؟! لماذا خُص؟! لماذا لا يُوحَى إلينا مثله؟!
ثم
قالوا: ﴿بَلۡ هُوَ
كَذَّابٌ﴾، لم ينزل عليه وحي، ولم
يُرسَل، فخونوه وكَذَّبوه.
﴿أَشِرٞ﴾ من الأَشَر: وهو: الكِبْر والبَطَر. هكذا يصفون نبي
الله صلى الله عليه وسلم ([1]).
والكِبْر إنما يكون فيمن رَفَض الحق. وأما مَن جاء بالحق، فإنما يريد لهم الخير
لأنه ناصح لهم.
قال
تعالى: ﴿سَيَعۡلَمُونَ
غَدٗا﴾، إذا وقع بهم العذاب. أو:
في يوم القيامة. وسماه ﴿غَدٗا﴾
لأنه قريب ﴿مَّنِ
ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ﴾
هل هو صالح أو هم؟ سيتبين لهم هذا عندما يحل بهم العذاب، فيدركون صدق نبي الله
ونصحه، ويعلمون أنهم هم الكذابون.
وهذا
عام في كل مَن خالف الأنبياء، فإنه سيندم إذا حل به العقاب.
ثم إنهم اقترحوا على صالح البينة والآية التي تدل على أنه نبي، فأخرج الله لهم ناقة عظيمة حلوبًا، فيها اللبن الكثير، معها فصيلها، فقال لهم: ﴿هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ﴾ [الأعراف: 73]،
([1]) انظر: تفسير الطبري (27/ 101)، وزاد المسير (8/ 97)، وتفسير القرطبي (17/ 138).