لازب يابس، خلقه الله عز
وجل بيده، أما بقية الخلق فيقول له: كن فيكون. أما آدم فإن الله عز وجل خلقه بيده
تكرمة له.
وهذا
من عجائب قدرة الله عز وجل ! أنه جَعَل من الطين بشرًا ولحمًا، ودمًا، وعروقًا،
وأعصابًا، وعظامًا! وخَلَق نسله من سلالة من ماء، وهو المَنِيّ، فذرية آدم من ماء،
أما آدم عليه السلام فهو من طين.
﴿وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّٖ﴾، أي: أبا الجان، وهم إبليس وذريته. سُموا جانًّا لأنهم
مستترون، من الاجتنان وهو الاستتار ([1])،
فهم من عالم الغيب لا نراهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهُۥ
يَرَىٰكُمۡ هُوَ﴾ أي:
الشيطان، ﴿وَقَبِيلُهُۥ﴾، أي: ذريته وجماعته ﴿مِنۡ حَيۡثُ
لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ﴾ [الأعراف:
27]، فهم عالم خفي؛ ولذلك سُموا بالجان.
﴿وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ
مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ﴾
ولذلك لما افتخر إبليس، وقال: ﴿قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ
وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ﴾
[الأعراف: 12]، كان هذا القياس باطلاً؛ لأن الطين خير من النار، فالطين يُنبت
النباتات وينتج، وهو بارد وفيه فوائد. أما النار فهي محرقة، لا تنتج شيئًا.
ثم
تناسلت الجان مثل ما تناسل بنو آدم. وذَكَر الجان لأنهم مكلفون مثل بني آدم،
ومأمورون ومنهيون، ولهم عقول، فهم مثل بني آدم، منهم المسلم والكافر، ومنهم المطيع
والعاصي، ومنهم الفاسق، ومنهم الخَيِّر ومنهم الشرير، مثل ما في بني آدم سواء.
ثم قال عز وجل: ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 16]، هل ينكر الإنسان أنه مخلوق لله عز وجل ؟ هل ينكر الجن أنهم مخلوقون لله عز وجل ؟ هل أحد يَدَّعِي أنه وُجد من غير مُوجِد، أو من غير خالق؟
([1]) انظر: مادة (جنن) في مقاييس اللغة (1/ 421- 422)، وتاج العروس ((34/ 366- 367).