وقوله:
﴿مَآ أَصۡحَٰبُ
ٱلۡمَشَۡٔمَةِ﴾، هذا التكرار للتفخيم وتعظيم
شأن أهل اليمين، وتحقير شأن أهل الشِّمال.
وأما
الزوج الثالث، فقال عز وجل فيهم: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١﴾ [الواقعة: 10- 11] السابقون إلى الرب سبحانه وتعالى
يكونون بين يدي الرب؛ إجلالاً وتعظيمًا وتكرمة لهم، وهم السابقون إلى الأعمال
الصالحة في الدنيا هم السابقون في الآخرة، يسبقون الخلائق يوم القيامة إلى الله
سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ
لَهَا سَٰبِقُونَ﴾
[المؤمنون: 61]، ﴿سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ
عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾
[الحديد: 21]، هؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى طاعة الله، يكونون السابقين عند
الله يوم القيامة.
﴿فِي جَنَّٰتِ﴾، هي دارهم ومستقرهم. وجنات كثيرة ليست جنة واحدة ﴿ٱلنَّعِيمِ﴾ [الواقعة: 12]، أي: اللذة والسرور والبهجة، وكل ما يُتنعم
به فإنه في هذه الجنة، ﴿وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ﴾ [الزخرف: 71].
﴿ثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ
١٣ وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ ١٤﴾، هؤلاء المقربون هم ثلة، أي: جماعة كثيرة من الأولين،
وقليل من الآخرين من هذه الأمة.
وقيل:
﴿ثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ﴾، أي: من جميع الأمم الذين سبقوا إلى طاعة الله، ﴿وَقَلِيلٞ
مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ﴾، أي: من
هذه الأمة. هذا قول ([1]).
والقول الآخَر - وهو الراجح -: أنهم كلهم في هذه الأمة، أي: كثيرون من صدر هذه الأمة من المهاجرين والأنصار، والتابعين،
([1]) انظر: تفسير الطبري (23/ 96)، وتفسير القرطبي (17/ 212).