فقال: ﴿لَّا
يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا﴾؛ لأن خمر
الدنيا تجلب الصداع في الرأس على من يشربها، أما خمر الآخرة فليست كذلك، ﴿وَلَا
يُنزِفُونَ﴾، ولا تُؤثِّر على عقولهم
كخمر الدنيا الخبيثة التي تنزف العقول، فيتحول العاقل إلى مجنون أو أحط من
المجنون.
فأهل
الجنة لا تُغيِّر هذه الخمر عقولهم، وكذلك لا تنفد ثرواتهم؛ لأن خمر الدنيا
تُنْفِد الثروات، وأما خمر الجنة فلا تكلفهم شيئًا، فهي مُيسَّرة، تأتي من مَعين
نابع مستمر يتلذذون بها؛ كما قال عز وجل: ﴿مِّنۡ خَمۡرٖ
لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ﴾
[محمد: 15]، بخلاف خمر الدنيا فإنها ليس فيها لذة، وإنما هي منتنة، وطعمها خبيث،
وأثرها قبيح.
وهذا
نوع من شرابهم، وإلا فعندهم أنواع من الشراب؛ كما أخبر الله عز وجل فقال: ﴿فِيهَآ
أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ
يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ
وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ﴾
[محمد: 15].
ثم
ذَكَر طعامهم وفاكهتهم، فقال: ﴿وَفَٰكِهَةٖ﴾،
فاكهة لا يَعلم كيفيتها وطعمها ولذتها إلاَّ الله سبحانه وتعالى.
﴿مِّمَّا
يَتَخَيَّرُونَ﴾، من كل ما طلبوه من الفاكهة
فهو حاضر!! ففي الدنيا يتمنى الإنسان شيئًا ولا يحصل له، أو يحصل لكن لا يَقدر على
شرائه، أو يحصل ويَقدر على شرائه، ولكن لا يَقدر على أكله للمرض. أما في الآخرة
فلا.
قالوا:
وهذا يُستنبط منه أنه إذا قُدِّمَتْ فاكهة متنوعة، فإن للآكل أن يختار منها ما
يريد، ولا يتعين أن يقتصر على نوع واحد.
﴿وَلَحۡمِ طَيۡرٖ﴾ لأنه ألذ شيء من اللحوم ﴿مِّمَّا يَشۡتَهُونَ﴾، فكل ما يشتهونه يتوفر لهم. ولا يَحتاج أن يتحركوا، ويذهبوا ويجيئوا، بل يأتيه وهم في مكانهم.