ثم
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُولَىٰ﴾ [الواقعة: 62]، وهي: خَلْقكم في بطون أمهاتكم. والنشأة
الثانية هي: الإعادة. فالنشأة الأولى برهان ودليل على النشأة الثانية.
﴿فَلَوۡلَا
تَذَكَّرُونَ﴾ [الواقعة: 62]، أن الله
الذي أوجدكم من عدم قادر على أن يحييكم بعد موتكم مرة أخرى؟ لا يعجزه شيء سبحانه
وتعالى.
ثم
قال سبحانه وتعالى مذكرًا بآية أخرى: ﴿أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ ٦٣ ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ
٦٤﴾ [الواقعة: 63- 64]، أي:
تحرثون الأرض بالمحاريث، وتُلْقُون فيها البذر ثم تتركونه، مَن الذي ينبته؟ أأنتم
تنبتونه؟ فأنتم ما تَقدرون إلاَّ على الحرث والبَذر فقط، فمَن الذي يزرعه وينبته؟!
ولو شاء الله ما نبت، ولما استطعتم أن تنبتوه!
﴿ءَأَنتُمۡ
تَزۡرَعُونَهُۥٓ﴾، أي:
تنبتونه، ﴿أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ﴾ [الواقعة: 64]، لا أحد يقول: «نحن ننبت النبات»، إنما
يستطيع أن يقول: أنا أحرث الأرض، وأُلقي فيها البذر. فقط هذا، لكن إنباته لا أحد
يقدر عليه إلاَّ الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا لا تقل: «أنا زرعتُ»، بل قل: «أنا
حرثتُ»، أَمَّا الزارع فهو الله سبحانه وتعالى. فهذا دليل على قدرة الله سبحانه
وتعالى.
ثم
- أيضًا -: إذا نبت مَن الذي يحفظه ويدرجه في النبات شيئًا فشيئًا حتى يَظهر عليه
الحَب؟ ومَن الذي يَحفظ الحَب إلى أن يؤخذ؟ هو الله عز وجل.
فالله قادر على أن يسلط عليه بعد النبات ما يتلفه؛ ولهذا قال: ﴿لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ﴾ [الواقعة: 65]، يسلط الله عليه الريح أو البَرَد أو البَرْد، أو الحريق، فيصبح حطامًا متفتتًا!!