﴿فِي كِتَٰبٖ
مَّكۡنُونٖ﴾، أي: مكتوب في كتاب مكنون،
وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ، فإن الله كَتَب القرآن في اللوح المحفوظ، وأنزله
على رسوله صلى الله عليه وسلم - فقد تَكلم الله به، ثم كتبه في اللوح المحفوظ، ثم
أنزله جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبَلَّغه محمد صلى
الله عليه وسلم لأمته.
فهو
مكتوب في اللوح المحفوظ، ومحفوظ في الصدور، ومكتوب في المصاحف، وهو القرآن العظيم.
﴿مَّكۡنُونٖ﴾، أي: مستور، لا يراه أحد إلاَّ مَن أَذِن الله له، وهم
الملائكة الكرام، فلا تَطَّلع عليه الشياطين، ولا يَطَّلع عليه أي مخلوق إلاَّ مَن
أَذِن الله له.
ولهذا
قال: ﴿لَّا يَمَسُّهُۥٓ
إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ﴾
[الواقعة: 79]، وهم الملائكة؛ لأن الله طَهَّرهم وزَكَّاهم وأثنى عليهم. وهذا
نَفْي أن تكون الشياطين لها علاقة بهذا القرآن أو لها اطلاع على اللوح المحفوظ،
فهم لا يقربونه.
وهذا
كقوله عز وجل: ﴿وَمَا
تَنَزَّلَتۡ بِهِ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢١٠ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُمۡ وَمَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢١١ إِنَّهُمۡ عَنِ
ٱلسَّمۡعِ لَمَعۡزُولُونَ ٢١٢﴾
[الشعراء: 210- 212]، فالسمع هو: الوحي. ﴿لَمَعْزُولُونَ﴾، أي: مبعدون. فهو مثل قوله هنا: ﴿لَّا يَمَسُّهُۥٓ
إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ﴾.
وأَخَذ
بعض العلماء من إشارة هذه الآية أنه لا يَمَس المصحف أحد إلاَّ على طهارة، فإن
قوله: ﴿لَّا يَمَسُّهُۥٓ
إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ﴾،
فيه إشارة إلى أن هذا القرآن لا يلمسه أحد إلاَّ وهو على طهارة من الحدثين -
الأكبر والأصغر -.
وهذا جاء في حديث عمرو بن حزم: «أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلاَّ طَاهِرٌ» ([1]). وهذا كتاب مشهور تلقته الأمة بالقَبول، وهو ثابت.
([1]) أخرجه: الدارمي رقم (2312)، ومالك رقم (297)، والبيهقي في ((الشعب)) رقم (1935).