فلا
تزهد في الحق لقلة أهله، ولا تغتر بالباطل لكثرة أهله؛ فالله قال: ﴿وَكَثِيرٞ
مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾.
﴿ثُمَّ
قَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا﴾،
من بعد نوح وإبراهيم عليهما السلام أرسل الله الرسل الذين جاءوا من بعدهم.
﴿وَقَفَّيۡنَا
بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ﴾،
لماذا ذَكَر عيسى ابن مريم عليه السلام، مع أنه داخل في الرسل المذكورين؟ لأنه
سيُخاطِب النصارى، الذين أرسل الله إليهم عيسى عليه السلام، يعني: أتبعنا هؤلاء
الرسل بعيسى ابن مريم عليه السلام له أم وليس له أب!! الله قادر على كل شيء سبحانه
وتعالى.
﴿وَءَاتَيۡنَٰهُ
ٱلۡإِنجِيلَۖ﴾، وهو الكتاب الذي نزل على
عيسى ابن مريم عليه السلام. ولا يَزال اسم محمد صلى الله عليه وسلم موجودًا، كما
قال تعالى عن عيسى: ﴿وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ
أَحۡمَدُۖ﴾ [الصف: 6].
﴿وَجَعَلۡنَا
فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ﴾
وهم النصارى، ﴿رَأۡفَةٗ
وَرَحۡمَةٗۚ وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ
رِضۡوَٰنِ ٱللَّه﴾ [الحديد:
27] «الرأفة» هي: المحبة في قلوبهم، بخلاف اليهود فإن في قلوبهم الحقد على
البشرية. و«رحمة» بالضعيف، بخلاف اليهود فإنهم عندهم غلظة وشدة حسد. ﴿وَرَهۡبَانِيَّةً﴾: تَعَبُّد. فالرهبانية: دوام التعبد والاجتهاد
في العبادة. والله ما أَمَرهم بهذا، لكن هم اجتهدوا، فجاءوا بالرهبانية؛ ﴿وَرَهۡبَانِيَّةً
ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ﴾ يريدون بذلك رضوان الله سبحانه وتعالى.
ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ﴾ [الحديد: 27]، هذا معلوم، أن الذي يشدد على نفسه ويشق على نفسه - أنه لا يستمر وأنه يمل. فلو أنهم اعتدلوا في العبادة وتوسطوا، ما حصل منهم ما حصل من الكفر