لولا ذلك لأهلكهم الله في
مكانهم عن آخرهم، ولعذبهم الله في الدنيا بإنزال العذاب المهلك لهم في بيوتهم. لكن
الله قَدَّر سبحانه وتعالى عليهم الجلاء، وهو شديد عليهم؛ لأنه فيه مفارقة الأوطان
والأموال، فهو عقوبة، ولكن هناك عقوبة أشد منها؛ ولذلك قال: ﴿وَلَهُمۡ فِي
ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ﴾،
هذا وعيد لهم، بأنهم ينتظرهم عذاب أشد من عذاب الدنيا.
ثم
بَيَّن سبحانه وتعالى السبب، فقال: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ﴾ [الحشر: 4] أي: خالفوا أمر الله وأمر رسوله، فكانوا في
شِق، والله ورسوله في الشِّق الآخَر.
﴿وَمَن
يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾،
ويشاق رسوله أيضًا. واكتفى بذكر مَن يشاق الله؛ لأن مَن يشاق الله فهو مشاق للرسول
صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن
يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الأنفال: 13].
وهذا
وعيد لكل من يشاق الله ورسوله، أن يأخذه الله بالعذاب العاجل والآجل.
ثم
قال سبحانه وتعالى: ﴿مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا
قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا﴾
[الحشر: 5]، «اللِّينة»: النخلة، أو نوع من النخل ([1]).
وكان
بعض الصحابة قد شرعوا في قطع نخيلهم وإحراقها؛ نكاية بهم، فتوقف بعض المسلمين عن
قطع النخيل، فأخبر الله أن ذلك كان بأمره فقال: ﴿فَبِإِذۡنِ
ٱللَّهِ﴾، أي: بشرعه سبحانه وتعالى.
فالذين قطعوا النخيل ما اعتدوا في ذلك، ما دام أنه نكاية بالعدو، وقد أَذِن الله بذلك، فليس ذلك تصرفًا من عندهم. وقد أقرهم الله على قطع النخيل وعلى تركها.
([1]) انظر: مقاييس اللغة (5/ 223)، ولسان العرب (13/ 395)، وتاج العروس (36/ 131).