×
ما تيسر وتحصل من دروس القرآن في حزب المفصل الجزء الأول

﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ ۗ صفة ثانية، لا يجدون حسدًا للمهاجرين، بل يحبونهم ولا يحسدونهم على ما فَضَّلهم الله به، فإن الله فَضَّل المهاجرين على الأنصار.

وكذلك ﴿وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ؛ صفة ثالثة؛ لأنهم يبذلون المال، وإن كانوا محتاجين إليه لأنفسهم، ويُقدِّمون حاجة المهاجرين على حاجة أنفسهم.

وهذه صفة عظيمة، وهي: صفة الإيثار على النفس. وتدل على قوة الإيمان وقوة المحبة للمؤمنين. بخلاف الأَثَرة، فالأَثَرة ([1]): أن يأخذ الإنسان المال لنفسه ويَحرم المحتاجين. أما الإيثار ([2]) فهو: أن يُقدِّم حاجة أخيه على حاجة نفسه، وهذا يدل على قوة الإيمان.

﴿وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ أي: يُؤْثِرون إخوانهم ولو كان فيهم فقر وحاجة، فهم يُقدِّمون حاجة إخوانهم على حاجتهم؛ من أجل قوة المحبة ومن أجل صدق الإيمان بالله سبحانه وتعالى. فهذه صفات الأنصار رضي الله عنهم.

ورد في سبب النزول: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ هَلْ عِنْدَهُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إلاَّ الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضُمُّ - أَوْ يُضِيفُ - هَذَا؟»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ. ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ.


الشرح

([1])  انظر: لسان العرب (4/ 8)، وتاج العروس (10/ 17).

([2])  انظر: لسان العرب (4/ 7)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 22).