فَقَالَ لَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَلَكِنْ دُلَّنِي
عَلَى السُّوقِ، فَدَلَّهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَصَابَ شَيْئًا
مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ قَدْ رَبِحَهُ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، حَتَّى أَصْبَحَ مِنْ
أَغْنَى النَّاسِ رضي الله عنهما » ([1]).
ومفهوم
الآية: أن الذي لا يوقى شح نفسه ليس من المفلحين، بل هو من الخاسرين - والعياذ
بالله -.
ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم «وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا
مَحَارِمَهُمْ» ([2]).
فالشح
آفة خطيرة؛ ولهذا مَن وُقيها وعوفي منها، فهو المفلح، وإن كان ماله يسيرًا.
وقال
أبو الهَيَّاج الأَسَدي: رَأَيْتُ رَجُلاً فِي الطَّوَافِ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ
قِنِي شُحَّ نَفْسي. لاَ يَزيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ:
إِذَا وُقِيتُ شُحَّ نَفْسِي، لَمْ أَسْرِقْ وَلَمْ أَزْنِ وَلَمْ أَفْعَلْ. فَإِذَا
الرّجُلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُوْفٍ» ([3]).
ثم قال في التابعين وأتباع التابعين: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ﴾ [الحشر: 10]، أي: والذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار، وهم التابعون وأتباع التابعين إلى يوم القيامة، ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]، هؤلاء يُعْطَون من الفيء؛ لأنهم إخوة لمن سبقهم من المهاجرين والأنصار، يستغفرون لهم، ويتعوذون بالله من الغل عليهم وبغضهم، فهم الفئة الثالثة من أهل الفيء.
([1]) أخرجه: النسائي رقم (9942)، وأبو يعلى رقم (3836)، والطبراني في ((الصغير)) رقم (728).