فالمراد
بكفار أهل الكتاب هنا، أي: بنو النضير. يقول لهم المنافقون: ﴿لَئِنۡ
أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ﴾،
أي: إن أُجليتم من المدينة، فسنجلو معكم، ولا نَبقى بعدكم، ﴿وَلَا نُطِيعُ
فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا﴾،
لا نطيع محمدًا أو غيره في مفارقتكم، ﴿وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ﴾ وإن قاتلكم محمد والمسلمون، فسننصركم ونقاتل معكم.
قال
الله عز وجل: ﴿وَٱللَّهُ
يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾،
فشَهِد الله سبحانه وتعالى - وهو خير الشاهدين - إن هؤلاء المنافقين لكاذبون في
هذه المقالات، وإنما هي خداع ومكر، وهم أقل من أن يحققوا هذه الوعود؛ لأن النفاق
الذي فيهم يَقعد بهم ويجبنهم الوفاء بهذه العهود.
ثم
بَيَّن سبحانه وتعالى حقيقة قولهم، وأنهم لا يُوفون بما قالوا، وبَيَّن سبحانه
وتعالى كذبهم فيما قالوا وفيما وعدوا، فقال: ﴿لَئِنۡ
أُخۡرِجُواْ﴾، أي: إن أُجلوا من المدينة ﴿لَا
يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ﴾، وهذا
تحقق، فلما أُجلي بنو النضير لم يَجلوا معهم، بل بَقُوا في المدينة، فأين وعدهم؟!
﴿وَلَئِن
قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ﴾
ولما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون - بني النضير، لم يأتِ
المنافقون وينضموا إليهم ويقاتلوا معهم.
﴿وَلَئِن
نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ﴾،
لو قُدِّر وفُرِض أنهم نصروهم وجاءوا معهم، لانهزموا إذا رأوا المسلمين؛ لجبنهم
وخوفهم من المسلمين أن يبطشوا بهم، ويولون الأدبار، والمقاتل المؤمن الصادق لا
يولي العدو الدُّبُر، بل يوليه الوجه ويقاتل، هذا هو المؤمن الصادق.
ولذلك الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا ينهزمون في المعارك، وما كانت الطعون والجراحات إلاَّ في وجوههم، ما منهم أحد جُرِح من خلفه، إنما يقع الطعن والضرب في نحورهم وفي وجوههم؛ لصمودهم في القتال.