ثم
بَيَّن سبحانه وتعالى السبب الذي من أجله ينهزمون، ويولون الأدبار إذا تقابلوا مع
جيش المسلمين، قال سبحانه وتعالى: ﴿لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم مِّنَ
ٱللَّهِۚ﴾ [الحشر: 13]، لأنتم أيها
المسلمون أشد رهبة في صدور المنافقين من الله، فهم يَرهبونكم، ولا يَرهبون الله عز
وجل.
أما
الذي يَرهب الله ويخافه، فإنه يصمد في القتال ولا ينهزم، فله إما النصر وإما الشهادة.
فهم
ينهزمون لأنهم يَخْشَون الناس، ولا يَخْشَون الله سبحانه وتعالى؛ كما قال عز وجل: ﴿يَسۡتَخۡفُونَ
مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ
يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ
مُحِيطًا﴾ [النساء: 108].
﴿ذَٰلِكَ
بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ﴾،
هذا هو السبب في كونهم يَرهبون من المسلمين، ولا يرهبون من الله سبحانه وتعالى -
أنهم لا يفقهون، أي: لا يفهمون. والفقه هو: الفَهْم ([1])
في الدين وفي كلام الله ورسوله. فهم لا يفهمون كلام الله وكلام رسوله صلى الله
عليه وسلم.
فهذا
فيه مدح الفقه في كلام الله وكلام رسوله، وأن عدم الفقه فيهما من صفات المنافقين؛
لأنهم لا يهمهم القرآن والسُّنة، ولا يهمهم حفظ النصوص ولا فقهها؛ لذلك جَعَل الله
في قلوبهم الخوف؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَحۡسَبُونَ
كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ﴾
[المنافقون: 4]، فكلما سمعوا شيئًا ظنوا أنهم مقصودون بهذه الصائحة والهائعة،
فيأخذهم الجبن.
ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا﴾، أيها المسلمون إذا اجتمعتم على قتالهم، فإنهم يرهبونكم، ﴿إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ ۚ﴾، في قلاع عليها
([1]) انظر: مقاييس اللغة (4/ 442)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 456)، ولسان العرب (13/ 522)).