أما
الاجتماع على غير العقيدة الصحيحة فإنه اجتماع خيالي، بل هو هزيمة؛ لأنهم إذا جاء
البأس والشدة تفرقوا؛ كما أن المنافقين إذا جاءت الشدة وَلَّوا الأدبار وانهزموا؛
لأنهم ليس عندهم عقيدة.
فهذا
هو المدار الذي يَجمع الناس، ويؤلف بين القلوب، ويجعل المؤمنين جسدًا وبنيانًا
واحدًا ﴿إِنَّ ٱللَّهَ
يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ
مَّرۡصُوصٞ﴾ [الصف: 4].
وقد
وَصَف الله المنافقين بعدم العقل، وبَيَّن سبب تفرقهم فقال: ﴿ذَٰلِكَ
بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ﴾،
فعملهم هذا يخالف العقول السليمة والفِطَر المستقيمة.
ولهذا
يقول المتنبي:
|
الرَّأْيُ
قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ |
|
هُوَ
أَوَّلٌ وَهْيَ الْمَحِلُ الثَّانِي ([1]) |
فالعقول
السليمة عليها مدار كبير، وهؤلاء ليس لهم عقول ولا إيمان - نسأل الله العافية -،
فلا شيء يجمعهم، وإن اجتمعوا في الظاهر فهم متفرقون في الباطن؛ لأن كلًّا منهم له
نزعة وهوى ورغبة. أما المؤمنون فرغبتهم واحدة، وهدفهم واحد؛ فلذلك نَصَرهم الله
سبحانه وتعالى.
وقد
ضَرَب الله للمنافقين مثلين: مثلاً بالذين من قبلهم، ومثلاً
بالشيطان.
المثل الأول: ﴿كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾، قيل: إنهم بنو قَيْنُقاع وبنو النضير. وقيل: إنهم أهل بدر؛ ولهذا قال: ﴿قَرِيبٗاۖ﴾، أي: فئة قريبة، ما هي بعيدة ([2])، ﴿ذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ﴾، أي: عاقبة أمرهم الذي هو
([1]) انظر: شرح ديوان المتنبي، للواحدي (1/ 296).