﴿وَبَدَا
بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ﴾،
أي: ظَهَر وبان، فلا تكون العداوة والبغضاء سرية، بل تكون العداوة ظاهرة، نصارحهم
بها ونعلنها.
﴿أَبَدًا﴾، أي: عداوة مؤبدة، ما دمتم على الكفر فإن العداوة
باقية، إلاَّ إذا تغير وضعكم، وذلك ﴿حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ﴾، فإذا آمنوا بالله وحده صاروا إخواننا في الدين؛ كما
قال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ
فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ﴾
[التوبة: 11].
وتأمل
قولهم: ﴿حَتَّىٰ
تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ﴾؛
لأن هناك مَن يؤمن بالله ويؤمن بغيره معه، وهو المشرك، فإنه يؤمن بالله ويحبه
ويعبد الله، لكنه يشرك معه غيره، فيعبد غير الله مع الله، ويتقرب إلى غير الله كما
يتقرب إلى الله، فهذا لا ينفعه تقربه إلى الله.
ثم
استثنَى سبحانه وتعالى مسألة، وهي أنه قد يقول قائل: أليس إبراهيم عليه السلام قال
لأبيه: ﴿لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ
لَكَ﴾، فهذا معناه: أنه يجوز أن
نستغفر للمشركين! فاستثنَى الله سبحانه وتعالى ذلك، وبَيَّن سببه وبَيَّن رجوع
إبراهيم عليه السلام عنه، فقال: ﴿وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا
عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ
لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ﴾ [التوبة: 114].
﴿إِلَّا قَوۡلَ
إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ
مِن شَيۡءٖۖ﴾، تبرأ إبراهيم عليه السلام
من أنه يملك له من الله من شيء، لكنه يستغفر له، فإن قَبِل الله استغفاره.
وإبراهيم عليه السلام قال لأبيه: ﴿وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ﴾. بل قالها النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلته، ولعمه
وعمته، وبنته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ