مَا
مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ
الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ([1]).
فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ
بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ! فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟»، قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرأ مُلْصَقًا فِي
قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ
المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ
وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ
أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا
وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ». قَالَ عُمَرُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: «إِنَّهُ
قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ
عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
([2]).
وحاطب
رضي الله عنه من أهل بدر، وأهل بدر لهم مزية على غيرهم، والحسنات تمحو السيئات؛
كما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ﴾ [هود: 114].
وقد
وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صَدَق لما اعتذر إليه مما حصل منه. وهذا دليل
على فضله وقوة إيمانه رضي الله عنه.
ولكن كثير من الجهال المتعالمين اليوم يتناولونه رضي الله عنه بالذم، وقد عَذَره النبي صلى الله عليه وسلم، وذَكَر أنه بدري وأنه صَدَق، وعفا عنه.
([1]) أي: شعرها المضفور، وهو جمع عقيصة. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم رقم (16/ 56).