ثم
ذَكَر صفة ثالثة من صفاتهم: ﴿يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ﴾، عندهم خوف ورعب دائمًا، كلما سمعوا صوتًا مرتفعًا ظنوا
أنه يعنيهم؛ كما يقال: «يكاد المريب أن يقول: خذوني» فالله عاقبهم بالرعب.
وقيل:
إنه كلما نزلت سورة أو آية ظنوا أنها تعنيهم، وأن الله كشف أمرهم، كما قال تعالى: ﴿يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ
أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ﴾ [التوبة: 64].
فَهُم
دائمًا في خوف من أن ينزل فيهم قرآن، أو أنهم يعاقبون ويصاح بهم، ويَنتبه لهم
المسلمون فيبطشوا بهم، فهم دائمًا في قلق.
ثم
وَصَفهم الله عز وجل بصفة خامسة، فقال فيهم: ﴿هُمُ
ٱلۡعَدُوُّ﴾، فحَصَر العداوة فيهم؛ لشدة
عداوتهم، فهم أشد عداوة للمسلمين من الكفار الأصليين، وأشد ضررًا على المسلمين من
الكفار؛ لأن المسلمين يعرفون الكفار ويأخذون حذرهم منهم. وأما هؤلاء المنافقون،
فإنهم يَدَّعُون الإسلام، ويخالطون المسلمين ويترابطون معهم، والمسلمون لا يأخذون
حذرهم منهم على أنهم من المنافقين؛ ولذلك قال: ﴿هُمُ
ٱلۡعَدُوُّ﴾ لأنهم عدو باطني.
ثم
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ﴾، احذر من المنافقين ولا تنخدع بهم، لا تُفْضِ إليهم
بأسرارك وتأمنهم، لا تُولِّهم عملاً من أعمالك.
وهكذا يجب على المسلمين، وعلى أولياء الأمور خصوصًا - أن يَحذروا من المنافقين غاية الحذر؛ لأنهم جواسيس للكفار، ولأنهم يَخْذُلون المسلمين ويُرْجِفون بهم، ولأنهم يأخذون أسرار المسلمين ويبثونها لعدوهم.